للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَا شِئْت فَاصْنَعْ وَارْضَ عني فانني ... أرى كل صنع مِنْك اسباغ نعْمَة

كفاني اعترافي باقترافي تَوْبَة ... وحسبي رضَا عني قبولك تَوْبَتِي

وَهل أَنا إِلَّا دوحة قد غرستها ... فَإِن لم يصبهَا وابل مِنْك جَفتْ

إِذا حصلت لي كَيفَ مَا كَانَ نِسْبَة ... اليك فَلَا أخْشَى ضيَاعًا لنسبتي

فياحيرتي كم حيرة فِيك لي غَدَتْ ... مخصصة بِي مَا بِهِ مِنْك عَمت

وَكم نعْمَة اسبغت من سر حِكْمَة ... أنرت بهَا من نَاطِق كل ظلمتي

وأحييت مني مَا أماتت جهالتي ... حَيَاة محَال أَن تحال بموتتي

وَمن حييت من موتَة الْجَهْل نَفسه ... بِعلم نجت من قطع كل منية

وَكم موجة من بَحر علم أثرتها ... لدي برِيح مِنْك أجرت سفينتي

فمرت تشق الْكَوْن حِين مهبها ... ملححة حَتَّى أفادت معيتي

وَأدْركت معنى آخرا دق فهمه ... أُرِيد بِوَضْع الصُّورَة الالفية

وَمن لم يحط علما بِمَعْنى وَصُورَة ... لَهُ فبصير الْعين أعمى البصيرة

فزرع وَلَكِن لم يفد حصد حبه ... ومخض وَلَكِن لم يفد مخض زبدة

إِذا جهل الْإِنْسَان تَحْقِيق أمره ... فَكيف بتحقيق الْأُمُور الغريبة

فيا عجبا للمرء يجهل نَفسه ... ويطمع فِي فهم الْمعَانِي الْبَعِيدَة

وَمَا ناهض بِالنَّفسِ يزْدَاد رُتْبَة ... من الْعلم تسميها كوان مفوت

وَمَا موقظ من رقدة الْجَهْل عقله ... لتحصيله تكميلها مثل ميت

إِذا كملت نفس الْفَتى بصفاته ال ... جميلَة من قَول وَفعل ترقت

وَأصْبح يدعى عَالم الْعقل عَالما ... لَهَا وتخطت نَفسه كل خطة

وبالعلم بِالنَّفسِ النفيسة يدْرك ال ... مُحَصل فهم الْعلَّة الأولية

وَمن لم يحط علما بِذَاكَ فَإِنَّهُ ... وَإِن كَانَ حَيا حكمه حكم ميت

وَمَا الْحَيّ عِنْد الْعقل من كَانَ غَالِبا ... على نَفسه حكم القوى الْبَدَنِيَّة

وَلكنه من شرفت قدره على ... بني نَوعه أَوْصَاف نفس زكية

فَفِي الْعَالم الْعلوِي ذَا ملك وَذَا ... لَدَى الْعَالم السفلي شَيْطَان جنَّة

وَمَا اخْتلفَا بالنوع حَتَّى يظنّ مَا ... بِهِ اخْتلفَا فعلا لخلق الغريزة

<<  <   >  >>