كان أبو حنيفة رضي الله عنه بالغ التدين شديد التنسك عظيم العبادة، صائماً بالنهار قائماً بالليل تالياً لكتاب الله، خاشعاً دائباً في طاعة الله، قام الليل ثلاثين سنة وكان القرآن الكريم ديدنه وأنيسه.
كان كثير البكاء يرحمه جيرانه لكثرة بكائه، كثير الحياء جم الأدب وخاصة مع شيوخه، باراً بوالديه يدعو لهما في كل صلاة ويتصدق عنهما.
كان كثير الورع يقول:"لو أن عبداً عبد الله تعالى حتى صار مثل هذه السارية ثم إنه لا يدري ما يدخل في بطنه حلال أو حرام ما تقبل منه". ولذا كان شديد الحرج في كل ما تخالطه شبهة الإثم، فإن ظن إثماً أو توهمه في مال خرج منه وتصدق به على الفقراء والمحتاجين، وقد تصدق ببضاعته كلها عندما باع شريكه ثوباً معيباً دون أن يظهر عيبه.
كان عظيم الأمانة في معاملاته حتى شبهه كثيرون في تجارته بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان مثلاً كاملاً للتاجر المستقيم كما هو في الذروة بين العلماء. قال فيه معاصره مليح بن وكيع:"كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان الله في قلبه جليلاً كبيراً عظيماً، وكان يؤثر رضا ربه على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله لاحتمل".
ومن أخلاقه السماحة والجود، فقد كانت تجارته تدر عليه الدر الوفير رغم ورعه واكتفائه من الربح بالقدر اليسير، وكان ينفق أكثره على المشايخ والمحدثين اعترافاً بفضل الله عليه فيهم.
قال فيه الفضيل بن عياض:"كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، واسع المال معروفاً بالأفضال على كل من يطيف به، صبوراً على تعلم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام فكان يحسن أن يدل على الحق، رهاباً من مال السلطان".
كان رحمه الله واحد زمانه، لو انشقت عنه الأرض لانشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والمواساة والورع والإيثار لله تعالى.
وكان أبو حنيفة رضي الله عنه حريصاً على أن يكون مظهره كمخبره حسناً، فكان كثير العناية بثيابه كثير التطيب، حسن الهيئة يحث من يعرفه على العناية بملبسه وسائر مظهره مذكراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) . (١)