للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فِيهِ عدَّة

وَأَشْجَع النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ثَبت من حَدِيث أنس وَفِيه وَلَقَد فزع أهل الْمَدِينَة يَوْمًا فَانْطَلق نَاس قبل الصَّوْت فَتَلقاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجعا وَقد سبقهمْ إِلَى الصَّوْت وَهُوَ على فرس لأبي طَلْحَة عرى فِي عُنُقه السَّيْف وَهُوَ يَقُول لم تراعوا

وَفِي الْمسند عَن عَليّ قَالَ كُنَّا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس اتقينا برَسُول الله فَيكون أقربنا إِلَى الْعَدو

والشجاعة قُوَّة الْقلب والثبات عِنْد المخاوف أَو شدَّة الْبَطْش وإحكام صناعَة الْحَرْب

وَمَعَ هَذَا فَمَا قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أبي بن خلف

وَمن فرط شجاعته أَن أَصْحَابه انْهَزمُوا يَوْم حنين وَهُوَ رَاكب بغلة لَا تكر وَلَا تَفِر وَيقدم عَلَيْهَا إِلَى نَاحيَة الْعَدو ويسمي نَفسه وَيَقُول

(أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب)

وَإِذا كَانَت الشجَاعَة الْمَطْلُوبَة من الإِمَام شجاعة الْقلب فَلَا ريب أَن أَشْجَع الصَّحَابَة أَبُو بكر فَإِنَّهُ بَاشر الْأَهْوَال الَّتِي كَانَ الرَّسُول يُبَاشِرهَا من أول الْإِسْلَام وَلم يجبن وَلَا جزع بل يقدم على المخاوف ويقي الرَّسُول بِنَفسِهِ ويجاهد بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ وبماله

وَلما كَانَ مَعَ الرَّسُول فِي الْعَريش يَوْم بدر قَامَ نَبِي الله يَدْعُو ويستغيث بربه وَيَقُول اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض وَجعل أَبُو بكر يَقُول لَهُ يَا رَسُول الله كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك إِنَّه سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك

وَهَذَا يدل على كَمَال يقينه وثباته

وَلَا نقص على الرَّسُول فِي إستغاثته بربه بل ذَلِك كَمَال لَهُ

فالإلتفات إِلَى الْأَسْبَاب صَحَّ فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا تقدح فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع

فعلى الرَّسُول أَن يُجَاهد وَيُقِيم الدّين بِكُل مُمكن بِنَفسِهِ وَمَاله ودعائه وتحريضه الْمُؤمنِينَ

والإستنصار بِاللَّه والإستعانة بِهِ أعظم الْجِهَاد وَأعظم أَسبَاب النَّصْر وَهُوَ مَأْمُور بذلك

وَالْقلب إِذا غَشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عَن شُهُود مَا يُعلمهُ

ومقام أبي بكر دون هَذَا وَهُوَ معاونة الرَّسُول والذب عَنهُ وإخباره بِأَنا واثقون بنصر الله وَالنَّظَر إِلَى جِهَة الْعَدو

<<  <   >  >>