للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قُلْنَا إِن أردْت بِقَوْلِك الْإِجْمَاع لَيْسَ أصلا فِي الدّلَالَة أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تجب طَاعَته لنَفسِهِ وَإِنَّمَا تجب لكَونه دَلِيلا على أَمر الله وَرَسُوله فَهَذَا صَحِيح وَلكنه لَا يضر فَإِن أَمر الرَّسُول كَذَلِك لَا تجب طَاعَته لذاته بل لِأَن من أطاعه فقد أطَاع الله فَفِي الْحَقِيقَة لَا يطاع أحد لذاته إِلَّا الله (لَهُ الْخلق وَالْأَمر) (إِن الحكم إِلَّا لله)

وَإِن أردْت أَنه قد يكون مُوَافقا للحق وَقد يكون مُخَالفا فَهَذَا قدح فِي كَون الْإِجْمَاع حجَّة وَدَعوى أَن الْأمة تَجْتَمِع على الْخَطَأ كَمَا يَقُوله النظام وَبَعض الرافضة خطأ

وَنحن لَا نحتاج فِي إِمَامَة الصّديق إِلَى هَذَا وَلَا نشترط لأحد فَنَقُول مَا من حكم الْإِجْمَاع إِلَّا وَقد دلّ عَلَيْهِ النَّص وَالْإِجْمَاع دَلِيل على نَص مَوْجُود وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي جَوَاز الْإِجْمَاع عَن إجتهاد لَكِن لَا يكون النَّص خافيا عَن الْكل

وَخِلَافَة الصّديق من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ ورد فِيهِ نُصُوص تدل على أَن خِلَافَته حق وصواب وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا اخْتلفُوا هَل العقد بِنَصّ خَاص أَو بِالْإِجْمَاع ومستند قَوْلنَا النَّص وَالْإِجْمَاع متلازمان قَوْله تَعَالَى (كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون) عَن الْمُنكر فَهَذَا يَنْبَغِي أَنهم يأمرون بِكُل مَعْرُوف وَينْهَوْنَ عَن كل مُنكر وَالْوَاجِب وَالْمحرم دَاخل فِي ذَلِك قطعا فَيجب أَن يوجبوا كل مَا أوجبه الله ويحرموا كل مَا حرمه الله وَأَن لَا يسكتوا عَن الْحق فَكيف يجوز عَلَيْهِم التَّكَلُّم بنقيضه من الْبَاطِل فَلَو كَانَت ولَايَة أبي بكر حَرَامًا مُنْكرا لوَجَبَ عَلَيْهِم النَّهْي وَامْتنع عَلَيْهِم السُّكُوت

وَلَو كَانَت طَاعَة عَليّ وتقديمه وَاجِبا لَكَانَ ذَلِك من أعظم الْمَعْرُوف الَّذِي يجب أَن يأمروا بِهِ

وَقَالَ تَعَالَى (والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر) وَقَالَ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس) فَمن جعلهم الرب شُهَدَاء على النَّاس فَلَا بُد أَن يَكُونُوا عَالمين بِمَا يشْهدُونَ بِهِ فَلَو كَانُوا يحللون مَا حرم الله ويحرمون مَا أحل الله ويسقطون مَا أوجب ويوجبون مَا أسقط لما صلحوا أَن يَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَكَذَلِكَ إِذا كَانُوا يجرحون الممدوح ويمدحون

<<  <   >  >>