الدّلَالَة الثَّانِيَة قَوْلهم إِذا حَاكم مسترشد تشكك فِي مسئلة شَرْعِيَّة اَوْ عقلية وَزعم انه عَاجز عَن معرفَة دليلها فَمَاذَا تتقولون لَهُ أفتحيلونه على عقله وَلَعَلَّه الْعَاميّ الجلف الَّذِي لَا يعرف أَدِلَّة الْعُقُول اَوْ هُوَ الذكي الَّذِي ضرب سِهَام الرَّأْي على حسب امكانه فَلم تنكشف لَهُ المسئلة وَبَقِي متشككا افتردونه الى عقله الَّذِي هُوَ معترف بقصوره وَهَذَا محَال اَوْ تَقولُونَ لَهُ تعلم طَرِيق النّظر وَدَلِيل المسئلة مني فان قُلْتُمْ ذَلِك فقد ناقضتم قَوْلكُم بِإِبْطَال التَّعْلِيم إِذْ امرتم بالتعليم وجعلتم التَّعْلِيم طَرِيقا وَهُوَ مَذْهَبنَا الا انكم أَبَيْتُم لانفسكم منصب التَّعْلِيم وَلم يستحيوا من خصمكم الْمعَارض لكم المماثل فِي عقله لعقلكم إِن هَذَا المتعلم يَقُول قد دَعَاني إِلَى التَّعَلُّم مِنْهُ خصمك وَقد تحيرت فِي تعْيين الْمعلم أَيْضا وَلَيْسَ يدعى وَاحِدًا مِنْكُم الْعِصْمَة لنَفسِهِ وَلَا لَهُ معْجزَة تميزه وَلَا هُوَ مُنْفَرد بِأَمْر يُفَارق بِهِ غَيره فَلَا أدرى أتبع الفلسفي أَو الْأَشْعَرِيّ أَو المعتزلى وأقاويلهم متعارضة وعقولهم متماثلة وَلست أجد فِي نَفسِي التَّرْجِيح بطول اللِّحْيَة وببياض الْوُجُوه وَلَا أرى افتراقا إِلَّا فِيهِ إِن اتّفق فَأَما الْعقل وَالدَّعْوَى واغترار كل بِنَفسِهِ فِي أَنه المحق وَصَاحبه الْمُبْطل كاغترار صَاحبه فَمَا أَشد تنَاقض هَذَا الْكَلَام عِنْد من يعرفهُ الدّلَالَة الثَّالِثَة قَوْلهم الْوحدَة دَلِيل الْحق وَالْكَثْرَة دَلِيل الْبَاطِل فَإنَّا إِذا قُلْنَا كم الْخَمْسَة مَعَ الْخَمْسَة فَالْحق وَاحِد وَهُوَ أَن يُقَال عشرَة وَالْبَاطِل كثير لَا حصر لَهُ وَهُوَ كل مَا سوى الْعشْرَة مِمَّا فَوْقهَا اَوْ تحتهَا والوحدة لَازِمَة مَذْهَب التَّعْلِيم فانه اجْتمع الف الف على هَذَا الِاعْتِقَاد واتحدت كلمتهم وَلم يتَصَوَّر بَينهم اخْتِلَاف واهل الرَّأْي لَا يزَال الِاخْتِلَاف وَالْكَثْرَة تلازمهم فَدلَّ ان الْحق فِي الْفرْقَة الَّتِي تلازم الْوحدَة كلمتها وَعَلِيهِ دلّ قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute