والى من غَابَ فَسمع من المبلغين وآحاد الامراء والولاة فاستفادوا ظنا من قولة الْآحَاد وَلَكِن وَجب عَلَيْهِم الْعَمَل بِالظَّنِّ للضَّرُورَة فان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عجز عَن اسماع كل وَاحِد بِنَفسِهِ من غير وَاسِطَة وَلم يشْتَرط ان تتواتر عَنهُ كل كلمة فِي كل وَاقعَة لتعذره وَالْعلم يحصل باحد هذَيْن المسلكين وَهُوَ مُتَعَذر قطعا
والطرف الثَّانِي فِي نفس الصُّورَة الْفِقْهِيَّة والحوادث الْوَاقِعَة إِذن مَا من وَاقعَة الا وفيهَا تَكْلِيف والوقائع لَا حصر لَهَا بل هِيَ فِي الامكان غير متناهية والنصوص لَا تفرض الا محصورة متناهية وَلَا يُحِيط قطّ مَا يتناهى بِمَا لَا يتناهى وَغَايَة صَاحب الشَّرْع مثلا ان ينص على حكم كل صُورَة اشْتَمَل عَلَيْهَا تصنيف المصنفين فِي الْفِقْه الى عصرنا هَذَا وَلَو فعل ذَلِك واستوفاه كَانَت الوقائع الممكنة الْخَارِجَة عَن التصانيف اكثر من المسطورات فِيهَا بل لَا نِسْبَة لَهَا اليها فان المسطورات محصورة والممكنات لَا حصر لَهَا فَكيف يَسْتَوْفِي مَالا يتناهى بِالنَّصِّ فبالضرورة لَا بُد من تحكيم الظَّن فِي التَّعَلُّق بصيغ العمومات وان كَانَ يحْتَمل انها اطلقت لإِرَادَة الْخُصُوص إِذْ عَلَيْهَا اكثر العمومات وَلذَلِك لما بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا الى الْيمن وَقَالَ لَهُ بِمَ تحكم فَقَالَ بِكِتَاب الله قَالَ فان لم تَجِد قَالَ فبسنة رَسُول الله قَالَ فان لم تَجِد قَالَ اجْتهد رَأْيِي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُوله لما يرضاه رَسُوله فانما رخص لَهُ فِي اجْتِهَاد الرَّأْي لضَرُورَة الْعَجز عَن اسْتِيعَاب النُّصُوص للوقائع
هَذَا بَيَان هَذَا الْقسم وَلَا حَاجَة فِيهِ الى إِمَام مَعْصُوم