للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقل النووي في شرح مسلم الإجماع على امتناع أخذ الدراهم عند العلم بالرضا، ثم قال: وفيه نظر، وينبغي جواز الأخذ عند العلم كما يجوز أكل الطعام انتهى. وقال أبن العماد: ولا شك أن غباحة مال الغير على خلاف الأصل، والآية إنما وردت في الأكل خاصة، فلا قياس عليها غيرها، لن شرط القياس أن يكون المقيس شاذاً عن الأصول.

وينبغي التنبيه هاهنا لأمر وهو أن أخذ الدراهم له صورتان، الأولى: أن لا يرضى صاحبها بأخذها مجاناً، ويرضى بأخذها وبرد بدلها على نية القرض مقاوضة، وشرطها أن تكون بعقد، والعقد لا يكون من شخص واحد والمعاوضة الفاسدة يكون المأخوذ بها حراماً، فتحريم الأخذ لعدم المعاوضة لا لعدم الرضا، كما تقول: البيع الفاسد يجوز التصرف في المأخوذ به وإن كان الرضا موجوداً. والصورة الثانية: أن يقوم عنده دليل على الرضا بالأخذ من غير بدل، فهذا موضع نظر، فقد يقال بجوازه كالطعام، وقد يقال بامتناعه؛ لأن الغالب عدم الرضا بأخذ الأموال، ولهذا تصان ويختم عليها، بخلاف الطعام، ولا نظر إلى شذوذ بعض الأحوال؛ لأن أحكام الشرع إنما تبنى على الغالب، فظهر أن القياس الذي قاله النووي قياس خفي، لا يصح الإلحاق به لقيام الفارق الجلي انتهى. وإنما للضيف أخذ ما يعلم رضاه به لحصول الرضا، لأن مدار الضيافة على طيب النفس، فإذا تحقق ولو بالقرينة رتب عليه مقتضاه، ويختلف ذلك بقدر المأخوذ وجنسه وبحال المضيف وبالدعوة.

فرع

[التطفل والطفيليون]

يحرم التطفّلُ، وهو إتيان الإنسان إلى طعام لم يدع إليه. قال في الاستقصاء: ومن لم يدع إلى طعام فلا يجوز له أن يدخل، فإن دخل وأكل من غير إذن كان ما أكله حراماً عليه، لما روي في حديث أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من دخل من غير دعوة، فقد دخل سارقاً وخرج مغيراً ويل أمه أن يستحل صاحبه " انتهى رواه أبو داود. وروى البيهقي نحوه، وقال أبن العماد: الضيفن الرجل الذي لا يعزم عليه، ولكن إذا رأى الضيوف تتبعهم، وأستحيي صاحب المنزل أن يمنعه من الدخول. وجميع ما يأكله الضيفن حرام، والضيفن هو الطفيلي انتهى.

[طيفن بن دلال]

وقال أبن حجر في شرح البخاري: وقد جمع الخطيب البغدادي في أخبار الطفيليين جزءاً فيه عدة فوائد منها: أن الطفيلي منسوب إلى رجل من أهل الكوفة يقال له " طُفَيْل بن دلال " من بني عبد الله بن غطفان، كثر منه الإتيان إلى الولائم بغير دعوة، فسمي طفيل الأعراس. وكان أول رجل لابس هذا العمل، فسمي من أتصف بعده بصفته طفيلياً. وكانت العرب تسميه الوارش بشين معجمة، وتقول لمن يتبع الدعوة بغير دعوة ضيفن بنون زائدة. قال الفريابي: في هذه التسمية مناسبة اللفظ للمعنى في التبعية من حيث إنه تابع للضيف، والنون تابعة للكلمة قال الشاعر:

أوْغَلُ في التَّطفيلِ من ذُبابِ ... على طَعَامٍ وعلى شرابِ

لو أبصرَ الرغْفَانَ في السَّحابِ ... لطارَ في الجَوًّ بلا حِجَابِ

[شهادة الطفيلي مردودة]

وقال أبن الصباغ: قال في الأم: ومن ثبت أنه يحضر الدعوة من غير دعاء، من غير ضرورة، لا يستأذن صاحب الطعام، وتكرر ذلك منه، ردت شهادته؛ لأنه يأكل محرماً إذا كانت الدعوة دعوة رجل من الرعية، فإن كانت دعوة سلطان أو من ينيبه السلطان فهذا طعام لا بأس به انتهى. قال أبن الصباغ: إنما أشترط تكرر ذلك، لأنه قد يكون له شبهة حتى يمنعه صاحب الطعام، فإذا تكرر ذلك منه صار دناءة وقلة مروءة انتهى. وإذا تبع المدعو غيره لم يمنعه ولم يأذن له، بل يعلم به الداعي. ويستحب له أن يدعوه إذا لم يكن فيه ضرر.

الصديق ليس طفيلياً

وقال المتولي وغيره إذا كان في الدار جاز لمن بينه وبين صاحب الطعام انبساط أن يدخل ويأكل إذا علم أنه لا يشق عليه انتهى. وروينا في خبر الهرثمية عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل شيء زكاة، وزكاة الدار بيت الضيافة " وهو حديث منكر.

الثانية عشرة:

وليمة النُّزُل

وهي الإطعام لمن ينزل عليك لضرورة وهذه آخر الوليمات المذكورة في النظم.

[تنبيهات]

الأول: ولائم أخرى قد أهمل الناظم عدة ولائم وهي أربع: الأولى:

وليمة الأخوة

<<  <   >  >>