(فَمَا أغرب الْأَيَّام فِيمَا قَضَت بِهِ ... تريني بعدِي عَنْك آنس من قربي)
(أخافك للحق الَّذِي لَك فِي دمي ... وأرجوك للحب الَّذِي لَك فِي قلبِي)
قَالَ وَهَذَا الْبَيْت على سهولة مبناه من أحسن مَا قيل فِي مَعْنَاهُ وبمثله فلتخدع الْأَلْبَاب وتستعطف الْأَعْدَاء للأحباب إِلَّا أَن المصراع الأول كَأَنَّهُ شَيْء تكهّنه من شانه وطيرة أَلْقَاهَا الله على لِسَانه وَصدق كَانَ لَهُ فِي عُنُقه ربق وَفِي دَمه حق حَتَّى احتال لَهُ فناله والمرء يعجز لَا المحالة وفيهَا يَقُول
(وَكم قد فرت يمناك بِي من ضريبة ... وَلَا غرو يَوْمًا أَن يفلّل من غربي)
(وَأعلم أَن الْعَفو مِنْك سجية ... فَلم يبْق إِلَّا أَن تخفّف من عتبي)
(ولي حَسَنَات لَو أمتّ بِبَعْضِهَا ... إِلَى الدَّهْر لم يرتع لنائبة سربي)
فَأَجَابَهُ الْمُعْتَمد بقوله
(تقدم إِلَى مَا اعْتدت عِنْدِي من الرحب ... ورد تلقك العتبى حِجَابا عَن العتب)
(مَتى تلقني تلق الَّذِي قد بلوته ... صفوحاً عَن الْجَانِي رؤوفاً عَن الصحب)
(سأوليك مني مَا عهِدت من الرِّضَا ... وأصفح عَمَّا كَانَ إِن كَانَ من ذَنْب)
(فَمَا أشعر الرَّحْمَن قلبِي قسوة ... وَلَا صَار نِسْيَان الأذمّة من شعبي)
(تكلّفته أبغي بِهِ لَك سلوةً ... وَكَيف يعاني الشّعْر مُشْتَرك اللب)
فَلم يزده جواد حواب الْمُعْتَمد إِلَّا توحشاً ونفاراً وتوقفاً عَن اللحاق بِهِ وازوراراً
هَذَا مَا أورد ابْن بسام من خبر ابْن عمار فِي هَذِه الْقَضِيَّة وَابْن قَاسم الشّلبي فِي تَارِيخه الْمَجْمُوع فِي أَخْبَار الْمُعْتَمد مُحَمَّد بن عباد أمتن علما بهَا وَأحسن سرداً لَهَا وَقد مضى من ذَلِك وَيَأْتِي مَا يَصح بِهِ قولي إِن شَاءَ الله تَعَالَى