للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنزول مفضول مرغوب عنه عند المحدثين، قال ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه". وقال ابن المديني: "النزول شؤم".

وشذ بعضهم فزعم أن النزول أفضل من العلو؛ "لأنه يجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث وتأويله، وفي الناقل وتعديله، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابا" (١).

وهذا مذهب ضعيف، ضعيف الحجة، وما أحسن قول الحافظ العراقي (٢): "هذا بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقا بعيدة لتكثر الخطأ، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود! ! ".

لكن المحدثين استثنوا من تفضيل العلو ما إذا كان مع النزول ما يجبره ويجعل له مزية على الإسناد العالي، كأن يوجد في النازل زيادة يرويها ثقة، أو يكون رجال الإسناد النازل أحفظ أو أفقه. قال وكيع ابن الجراح لتلامذته: "أيهما أحب إليكم أن أحدثكم: عن سليمان الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدثكم عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود؟ ". قالوا: "نحب الأعمش، فإنه أقرب إسنادا". قال: "ويحكم! ، الأعمش شيخ ولكن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه" (٣).

لذلك قال ابن المبارك: "ليس جودة الحديث قرب الإسناد، بل جودة الحديث صحة الرجال".


(١) كذا نقل عنهم الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص ٢٦.
(٢) في شرح الألفية: ٣: ٩٩.
(٣) الإرشاد: ق ٧ آ. وانظر غيره من المراجع.

<<  <   >  >>