للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأي بعض المستشرقين في كتابة الحديث:

هذا وعلى الرغم من توفر أسباب الحفظ المكين للحديث لدى الصحابة، فقد أطلق بعض المستشرقين لخيالهم العنان، وراحوا يقولون ما شاء لهم القول في هذه المسألة. وذلك أن كثيرا منهم وعلى رأسهم جودل زيهر قد سمحوا لأنفسهم أولا بإنكار وقوع تقييد الحديث في هذه الفترة حتى مطلع القرن الهجري الثاني بل إن بعضهم ليغلوا في ذلك حتى يزعم أن الحديث لم يدون حتى مطلع القرن الثالث، ثم بنوا على هذا زعمهم أن الحديث كان في تلك الفترة مضيعا لانقطاع كتابته بزعمهم خلال هذه الفترة الطويلة.

والحقيقة أن إنكار تقييد الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأتي ممن يتحاكم إلى الانصاف، ويسلك نهج العلم، فإن روايات كتابته قد تعددت بالأسانيد الموثوقة الكثيرة جدا في مختلف مراجع السنة، مما يبلغ بها درجة التواتر الذي يقطع من يطلع عليه من العلماء، ويتحقق وقوع الكتابة للحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

أما تقييد العلم في عصر بن عبد العزيز فليس يعني أبدا أنه لم يدون من قبلن غاية الأمر أن هذا الخليفة العادل وجد كثيرا من العلماء يحجم عنه كما أنهم لم يكونوا يتداولون الكتب ليعتمدوا عليها، فأصدر أمره بكتابة الحديث لينتقل بالعلم إلى التدوين العام، الذي يعتمد مع الحفظ على الكتابة، ويجعل الكتابة مرجعا متداولا معتمدا لا يختص بصاحبه فقط. وذلك ما ترمي إليه عبارة الحفاظ ابن حجر حين قال: (١) "إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة".


(١) في هدي الساري مقدمة شرح البخاري ج ١ ص ٤.

<<  <   >  >>