للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل لعبد الرحمن بن مهدي. إنك تقول للشيء: هذا صحيح. وهذا لم يثبت. فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك. فقال: هذا جيد وهذا بهرج. أكنت تسأل عمن ذلك أو تسلم له الأمر؟ . قال: فهذا كذلك، بطول المجالسة والمناظرة والخبرة.

وقال ابن مهدي أيضا: "في معرفة علل الحديث إلهام. لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك" (١).

والمقصود بهذا ما ذكرناه، لا أن الحكم في العلل أمر مزاجي لا مسوغ له في لغة العلم، لذلك عقب السخاوي على قولة ابن مهدي: "لم يكن له حجة" قال السخاوي (٢): "يعني يعبر بها غالبا، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللرفض".

وهذا دأب كل ذي اختصاص أن يحكم بممارسته، وكثيرا ما يغيب عنه التعبير عن المعنى الدقيق الذي في نفسه، وهذه كلمة أبي حاتم الرازي توضح ذلك حيث يقول: "مثل معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم".

هذا وقد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرنا، مما يجب التنبه له:

قال ابن الصلاح: "ثم اعلم أنه يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل، ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح.


(١) التدريب: ١٦٢.
(٢) فتح المغيث: ٩٨، وفيه تصحيف قومناه.

<<  <   >  >>