للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحقيقة أن العكس هو الصواب، وهو أن تدوين الحديث سبق تدوين الفقه، وانتشار المذاهب.

٤ - أن أسباب الخلاف بين الفقهاء ترجع في حقيقتها إلى أمور جوهرية أوسع وأبعد مدى بكثير جدا من غيبة حديث أو رواية عن الفقيه، ولو استقصينا المسائل التي وقع فيها الخلاف بسبب ذلك لكانت مسائل يسيرة من أبواب الفقه، كثير منها في الآداب والمستحبات، أما سائر المسائل الخلافية فيرجع الخلاف فيها إلى أسباب جوهرية أخرى تتصل بطبيعة تلك المسائل الاجتهادية التي من شأنها ومن سنة الله أن تختلف فيها الفقهات والأفهام، سواء في ذلك قوانين الشريعة الإسلامية، والقوانين الوضعية، كما هو معلوم لمن ألم بأوضاع التطبيقات القانونية.

وقد وقع الخلاف في عهده -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة في نص واحد وجهه إليهم جميعهم يوم بني قريظة (١)، ولم يعنف صلى الله عليه وسلم أحدا من الفريقين، وها هي ذي المصادر الإسلامية فيها الكثير مما يرويه الفقيه من حديث صحيح لا شك في صحته عنده ثم يخالف ما دل عليه ظاهر الحديث لقيام دليل آخر عنده على خلافه، أو لأن له فهما في النص غير الفهم الذي وقع لغيره، أو غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحها، وموطأ مالك مثال ظاهر لذلك، فقد روى فيه أحاديث كثيرة، ولم يعمل بظاهرها (٢).

هذا كله وغيره كثير من الوجوه تبطل ادعاء تأخر تدوين الحديث عن تدوين الفقه، وتبطل زعم أن ذلك التأخر كان منشأ تفرق المذاهب الإسلامية الفقهية.


(١) كما سبق في ص ٢٩ من هذا الكتاب.
(٢) انظر على سبيل المثال ما سبق في ص ١٠٥.

<<  <   >  >>