للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشهد القرن نشاطا زائدا في الرحلة من أجل هذا الغرض، واعتبرت الرحلة من ضرورات التحصيل لطالب الحديث، فلا تعلم محدثا له شأنه علا قد رحل في البلاد، وأجدى العلماء من رحلاتهم هذه فوائد كثيرة، حيث اطلعوا على ما نشره الصحابة في شتى الآفاق، ووازنوا بين الأسانيد والمتون، مما تفرع عنه كثير من الفوائد. واحتل الرحالون في سبيل العلم مكانة مرموقة في المجتمع العلمي، حتى صار لقب "الرحال" والرحالة، والجوال وإليه كانت الرحلة ... شعرا على كبار المحدثين وحتى طوف كثير منهم بالشرق والغرب أكثر من مرة، وتناقل الناس أخبار رحلاتهم، وما صادفهم من المشاق والعجائب (١) بالإكبار والإجلال.

وكان الإمام الزهري أول من عني في هذا القرن بجمع الضوابط وإلقائها إلى الناس، وأمر أتباعه بجمعها، حتى عده البعض واضع علوم الحديث (٢).

لكن تلك العلوم والضوابط التي وجدت حتى عصرهم كانت محفوظة في صدور الرجال لم يدون شيء منها في كتاب -فيما نعلم فضلا عن أن يجمعها يضبط قواعدها مصنف خاص- اللهم إلا ما وجدنا للشافعي من فصول وأبحاث متفرقة لها أهميتها في هذا الفن. فقد تكلم في الرسالة عن الحديث الذي يحتج به، وشرط فيه شروط الصحيح، وتكلم في شرط حفظ الراوي والرواية بالمعنى والمدلس وقبول حديثه (٣)، كما أنه ذكر في الأم الحديث الحسن (٤). وتكلم في الحديث المرسل وناقش الاحتجاج به بقوة، وبحث في غير ذلك من علوم الحديث.

فكان ما كتبه الشافعي أول ما بلغنا من علوم الحديث مدونا في كتاب.


(١) انظر على سبيل المثال ما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه في مقدمة الجرج والتعديل: ٣٦٤ - ٣٦٦.
(٢) الشيخ إبراهيم البيجوري في شرحه على الشمائل: ٦، وانظر مقدمة تحفة الأحوذي: ٢ - ٣.
(٣) انظر الرسالة: ٣٧٠ - ٣٧٢ و ٣٧٩ - ٣٨٣.
(٤) الأم: ٨: ٥٣٨.

<<  <   >  >>