اخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان البصري وأبو غانم المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: كان سراقة البارقي شاعرا ظريفا زورا للملوك حلو الحديث فخرج في جملة من خرج لقتال المختار فوقع أسيرا فأتى به المختار فلما وقع بين يديه قال: يا أمين آل محص. انه لم يأسرني أحد ممن بين يديك. قال ويحك فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالا على خيل بلق يقاتلوننا ما أراهم الساعة، هم الذين أسروني. فقال المختار لأصحابه: إن عدوّكم يرى من هذا الأمر ما لا ترون ثم أمر بقتله فقال: يا أمين آل محمد انك تعلم أنه ما هذا أوان تقتلي فيه. قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا افتتحت دمشق ونقضتها حجرا حجرا ثم جلست على كرسي في أحد أبوابها فهناك تدعوني فتقتلني وتصلبني. فقال المختار: صدقت، ثم التفت إلى صاحب شرطته. فقال: ويحك من يخرج سرى إلى الناس ثم أمر بتخلية سراقه. فلما أفلت أنشأ يقول وكان المختار يكنى أبا إسحاق: الوافر
ألا أبلغ أبا إسحاق إني ... رأيت البلق دهما مصمتات
ترى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترّهات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات
أما قوله: " ترأياه " فانه ردّه إلى أصله، والعرب لم تستعمل يرى وترى وأرى ونرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا. أما في الماضي فالهمزة مثبتة.
وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه ترياه بغير همز لآن الزحاف أيسر من رد هذا إلى أصله وكذلك كان ينشد قول الآخر: الطويل
ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتملّ العيش يرأ ويسمع
بتحقيق الهمزة.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب الحرمي قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله الله ش وجل (لقد كان لسباء في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) الاثنان جميعا قال: كانوا قوما انعم الله عليهم نعما وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، فأعرضوا أي شركوا أمر الله عز وجل فأرسل الله عليهم سيل العرم. قال: والعرم وادي سبأ كان يجتمع إليه سيول أو أي شيء فعمدوا فسدّوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وظفوا عليه أبوابا. وكانوا يأخذون من الماء بقدر الحكيمة ويسدون طيه ما سوى ذلك. فلما تركوا أمر الله أرسل الله عليهم جرذا يقال له الخلد فنقبه من أسفله فغرق جناتهم وخرب أرضهم وتمزقوا في البلاد وذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم. قال: (ومزقناهم كل ممزق) ثم قال: (وبدّ لناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكل خمط) والخمط: الأراك وأكله: بريره، والاصل شجر شبيه بالطرفاء إلا انه اعظم منه. وقوله: (وشيء من سدر قليل) قال: بنينا أرضهم خير ارض وشجرهم خير شجر، خرّب الله أرضهم وجعل شجرهم شجر شر شجر عقوبة لهم بكفرهم.
قال أبو القاسم: وللعلماء في العرم ثلاثة أقوال، قال بعضهم: العرم: البثق نفسه الذي انبثق عليهم. وقال آخرون: العرم: المسنياّت وهو جمع واحدته عرمة مثل لبنة ولبن ونبقة ونبق، وإلى هذا يذهب أهل اللغة، واحتجوا بقول النابغة الجعدي: المنسرح
من سَباَء الخاسرِينَ مأَْرَبَ إذْ ... يبنون من دون سيَلْهِِ العرَِما
اخبرني الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يذكر عن أبي الضحاك قال: شهدت البثق الذي انبثق في اليمن أيام سبأ فوجدته مثل نهر يجرى بالبصرة. وأما سبأ فمهموز وغير مهموز إلا إن للعرب فيه لغتين منهم من جعله اسم حيّ مذكرا وان نسبوا إليه فتصرفه ومنهم من يجعله اسم قبيلة فلا يصرفه. وقد قرأت القراء بالصرف وتركه وكذلك ثمود قياسه هذا القياس بعينه في الصرف وترك الصرف. والجنة في كلام العرب: البستان. فأما الجرذ من الفأر فبضم أوله والذال المعجمة. وكذلك الجرذ في أرجل الدواب بالذال معجمة إلا انه مفتوح الأول، وكذلك الزرد بالذال معجمة لا غير.
اخبرني اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي