للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعَ ذَلِك الى شعر باهر ونثر معجب وَكَانَ من حِين نشاته الى مماته متفيئا ظلال النِّعْمَة آخِذا من التنعم حَظه وجاهه فى دولة آبَائِهِ يحل فرق الفراقد ويزاحم منَاط الثوابت وَكَانَ معتنيا بالاشتغال من طَلِيعَة عمره فَقَرَأَ فنون الادب على شَيخنَا الْمُحَقق ابراهيم الفتال وَالشَّيْخ مُحَمَّد العيثى وَتخرج بِأَبِيهِ وعميه حَتَّى تفوق وَبلغ من الْفضل مَا بلغ وَكَانَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى يفضله ويرجحه على كل من عداهُ من أقرانه وَيَقُول انه مِمَّا يهزنى الى الطَّرب حسن مَنْطِقه ولطف محادثته وأعهده ينشد فى حَقه هَذِه الابيات غير مرّة وهى

(صاحبته فَرَأَيْت الْبَدْر كلمنى ... وجنته فَرَأَيْت الْبَحْر ينهمل)

(فيا رعى الله مخدوما نسامره ... وَقد تناسب فِيهِ الْمَدْح والغزل)

(قد حَاز باكورة الافضال وَهُوَ لَدَى ... باكورة السن لَا زَالَت لَهُ الدول)

وَكَانَ وَالِده فرغ لَهُ عَن الْمدرسَة الشبلية فدرس بهَا وَلما أَنَاخَ الدَّهْر على بَيتهمْ بكلكه ووجهت عَنْهُم الْفتيا انزوى مَعَ أَبِيه فى زَاوِيَة الْوحدَة مُدَّة الى أَن ولى الْمولى مُحَمَّد بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بمفتش الاوقاف وَهُوَ الذى صَار آخرا مفتى التخت العثمانى قَضَاء الشَّام ظهر ظُهُور الْكَنْز المخفى وَكَانَ قاضى الْقُضَاة الْمَذْكُور أَقرَأ التَّفْسِير فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يحضر درسه ويبدى أبحاثا فائقة فاشتهر فَضله وسما قدره ثمَّ بعد مُدَّة من عزل الْمولى الْمَذْكُور عَن قَضَاء الشَّام سَافر المترجم الى الرّوم وَاجْتمعَ بشيخ الاسلام يحيى المنقارى فَأقبل عَلَيْهِ وَوجه اليه رُتْبَة الدَّاخِل وَرجع الى دمشق وَلما توفى والدى أعْطى مَكَانَهُ قَضَاء بيروت على طَرِيق التَّأْبِيد وَلم تبْق عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَ وَرَاء للزِّيَادَة مواعد ماطله الزَّمَان بهَا فَارْتَبَطَ فى دَاخل دَاره لادب يقتبسه أَو كتاب يطالعه وَكَانَ مُولَعا بالآداب الغضة يهصر أَغْصَانهَا ويفصد دنانها وَكنت لما رجعت من الرّوم أنست بمجلسه أَيَّامًا فَوَجَدته يرجع الى اتقان فى الادب وذكاء فى الخاطر وحذق فى البلاغة وَتوسع فى البضاعة وعثرت بنبذ من أشعاره البهية النقية فى بعض المجاميع فصرفت وَجه الهمة الى أَخَوَات لَهَا فَمن ذَلِك قَوْله

(مذ مَال خرت لَهُ الأقمار سَاجِدَة ... خوط بِهِ من رحيق الثغر اسكار)

(حط اللثام فَغَاب الْبَدْر من خجل ... وَقد بدا اللدجى فى الصُّبْح اسفار)

(أضحى كجسمى مِنْهُ الخصر لَيْسَ يرى ... ومنطقته من العشاق أبصار)

(وشاحه مثل قلبى خافق أبدا ... ولخطه الفاتن الفتاك سحار)

<<  <  ج: ص:  >  >>