للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزَّمَان وفريد الْعَصْر كَانَ غزير الْفضل لطيف الطَّبْع فاق على أهل عصره بصنعة النّظم والنثر ذكره الخفاجى فى الريحانة والخبايا وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر مَا جرى بَينه وَبَينه من المراسلة وَقَالَ البديعى فى وَصفه مَعْدن الْملح والطرف وينبوع النكت والتحف وجاحظ زَمَانه وحافظ أَوَانه وَلَا يخفى طول بَاعه فى فنون الادب وأنواعه فأسرار البلاغة لَا تُؤْخَذ الا مِنْهُ وَدَلَائِل الاعجاز لَا تروى الا عَنهُ مَعَ دماثة أَخْلَاق تعيد ذَاهِب الصِّبَا ورقة دعابة كَأَنَّمَا انتسخها من صحيفَة الصِّبَا ومنطق يسوغ فى الاسماع سلافه يلفظ كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤ والآذان أصدافه وَقَالَ الفيومى فى تَرْجَمته كَانَت وِلَادَته بحلب ثمَّ قدم الرّوم وَصَارَ بهَا من كبار المدرسين ثمَّ كف بَصَره فتقاعد برزق عين لَهُ من قبل السُّلْطَان فانزوى فى بَيته وهرعت اليه الافاضل من كل جَانب فاشتهر فَضله وانتشر علمه فاستمر يقرئ أَنْوَاع الْعُلُوم من كلا مَنْطُوق وَمَفْهُوم ومباد ومقاصد لكل طَالب وقاصد فَانْتَفع بِهِ كثير من الطّلبَة قَالَ وَلما قدمت الرّوم وفدت عَلَيْهِ فَرَأَيْت الْفَضَائِل انقادت اليه فحضرته مجَالِس فى المطول وسيرة ابْن هِشَام فَرَأَيْت مِنْهُ رُتْبَة لَا تنَال بالاهتمام وَمَات وَأَنا بالروم وَدفن بدار الْخلَافَة وَكَانَت لَهُ رُتْبَة فى الادب هى من أَعلَى الرتب وشعره غَايَة فى بَابه لَهُ فِيهِ التشبيهات العجيبة والمضامين الغريبة مَا يكْتب بِمَاء الْوَجْه على الحدق لَا بالحبر على الْوَرق كَقَوْلِه من قصيدة

(قد دَعَاهُ الْهوى وداعى التصابى ... لادكار الاوطان والاحباب)

(فَأَتَت دون صبره من أَلِيم الوجد نَار شَدِيدَة الالتهاب ... )

(فذوى غصنه الرطيب وجفت ... من رياض الصِّبَا مياه الشَّبَاب)

(شعر الْمَرْء نُسْخَة الْعُمر والايام فِيهَا من أصدق الْكتاب ... )

(فاذا تمّ مِنْهُ مَا كتبته ... تربته من شيبَة بِتُرَاب)

هَذَا معنى بديع ذكر انه لم يسْبق اليه قَالَ الشهَاب وَقد اتّفق لى مثله فى قولى

(لعمرى لقد خطّ المشيب بمفرقى ... رسائل تَدْعُو كل حى الى البلى ... )

(أرى نُسْخَة للعمر سودها الصِّبَا ... وَمَا بيضت بالشيب الا لتنقلا)

رَجَعَ

(لست آسى على الصِّبَا انما أذكر حَقًا لاقدم الاصحاب ... )

(قد سقتنى عهوده الْعَيْش صفوا ... وكستنيه مونق الجلباب)

وَمِنْهَا فى المديح

<<  <  ج: ص:  >  >>