للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب الرِّجَال الثَّلَاثَة الْمَشْهُورَة لَهُ مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح آيَات الاحكام ورسائل مفيدة وَصيته بِالْفَضْلِ التَّام شَائِع ذائع وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة لثلاث عشرَة خلون من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف

الامير مُحَمَّد بن على السيفى الطرابلسى أحد أُمَرَاء بنى سَيْفا حكام طرابلس الشَّام وولادتها الْمَشْهُورين بِالْكَرمِ والادب كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم فى هَذَا الْعَصْر كبنى برمك فى عصرهم فضلا وكرما ونبلا مَا برحوا فى طرابلس لَهُم الْعِزَّة الزاهره وَالْحُرْمَة الباهره والدولة الظاهره وهم مقصد كل شَاعِر ومورد كل مادح ومدحهم شعراء كَثِيرُونَ قصدوهم وَكَانَ يُعْطون أعظم الجوائز وَكَانَ الامير مُحَمَّد بَينهم كالفضل فى بنى برمك وَكَانَ من أهل الادب الظَّاهِر وَالْفضل السامى أديبا فَاضلا بليغا ولى حُكُومَة طرابلس بعد الامير يُوسُف السيفى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وبذل العطايا وَكَانَت احساناته تستغرق الْعد ويحكى عَنهُ من ذَلِك مَا يبعد وُقُوعه فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الاديب الشَّاعِر مُحَمَّد بن ملحة العكارى وَكَانَ من شعراء الامير المختصين بِهِ قَالَ لما دهم الامراء بنى سَيْفا الْخطب من فَخر الدّين بن معن وَركب عَلَيْهِم وحار بهم كنت اذ ذَاك فى خدمَة الامير مُحَمَّد فَمَا بَرحت أدافع عَنهُ بالمقاتلة حَتَّى لقينى رجل من عَسْكَر ابْن معن فضربنى على رجلى بِسيف فجرحها فَبعث بى الامير الى منزله وَأمر بمعالجة رجلى حَتَّى برأت وَكَانَ أَمرهم انْتهى الى الصُّلْح والصافاة فَخرج الامير يَوْمًا الى التَّنَزُّه وَأَنا مَعَه وَكَانَ الْفَصْل فصل الرّبيع وَقد أزهرت الاشجار فَجَلَست الى جَانب شَجَرَة مزهرة فسألنى عَن رجلى فَقلت قد برأت وَأُرِيد أَن أريك قوتها ثمَّ ضربت بهَا تِلْكَ الشَّجَرَة فَتَنَاثَرَ من نوارهاشئ كثير فسر بذلك وَأمر لى بجائزة من الدَّنَانِير بِمِقْدَار مَا سقط من النوار وَكَانَ شَيْئا كثيرا واختص بِهِ جمَاعَة من الشُّعَرَاء كحسين بن الجزرى الحلبى وسرور ابْن سِنِين وَكَانَ يَقع بَينهمَا محاورات بِحَضْرَتِهِ حَتَّى خَاطب الامير مُحَمَّد بن الجزرى بقوله معرضًا بسرور وَقد كَانَ انْقَطع عَن الْمجْلس أَيَّامًا

(وحقك مَا تركت عَن ملال ... وسهو أَيهَا الْمولى الامير)

(وَلَكِن مذ ألفت الْحزن قدما ... أنفت مواطنا فِيهَا سرُور)

وأنشده بديهة فى مجْلِس شراب وسرور حَاضر وَقد ألْقى فرَاش نَفسه الى النَّار

(يظنّ الْفراش اللَّيْل سجنا مُؤَبَّدًا ... عَلَيْهِ وضوء الشَّمْس من سجنه بَابا)

<<  <  ج: ص:  >  >>