للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والمناصب الرفيعة فِي عنفوان عمره مِنْهَا تدريس الْمدرسَة الْكُبْرَى الَّتِي تنْسب إِلَى وَالِدَة السُّلْطَان سليم الثَّانِي وَهِي من الْمدَارِس الَّتِي جرت الْعَادة بِنَقْل مدرسيها إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس الثمان وَمِنْهَا إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس السليمانية بِمَدِينَة قسطنطينية وَكَذَلِكَ وَقع لَهُ إِلَّا أَنه أَقَامَ فِي الْمدرسَة السليمانية مُدَّة طَوِيلَة وأكبّ على الِاشْتِغَال والإفادة فَلم يَنْقَطِع يَوْمًا وَاحِدًا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة وَأما مَا شغله فِي منزله بالمطالعة فَإِنَّهُ فَوق مَا يُقَال وَكَانَ لَا يفتر وَلَا يمل وَلَا يقدم على ذَلِك أمرا مهما وَلَا حَاجَة من حوائج الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ فِي الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية بَاعَ طَوِيل وَله أشعار رائقة فِي الألسن الثَّلَاثَة ثمَّ وَجه لَهُ قَضَاء أدرنة وَذَلِكَ فِي سنة أَربع بعد الْألف وَلما سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى بِلَاد الْكفَّار بِولَايَة الألمان مر فِي طَرِيقه على أدرنة فَوجدَ أهاليها شاكرين مِنْهُ فَأقبل عَلَيْهِ وَجلسَ لأَجله مَجْلِسا خَاصّا لَا يشركهُ فِيهِ أحد للسلام عَلَيْهِ فبمجرد نظره إِلَيْهِ قَامَ لَهُ وعظمه فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج أَكثر من تَعْظِيمه لقضاة العساكر ثمَّ اقْتضى رَأْيه أَن يُكرمهُ ففوض إِلَيْهِ قَضَاء قسطنطينية فَبَيْنَمَا هُوَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق إِذْ ورد إِلَيْهِ خبر أَن وَالِدَة السُّلْطَان قد امْتنعت من تَنْفِيذ هَذَا الْإِعْطَاء وصممت على رد هَذِه الْولَايَة وَوَلَّتْ قَاضِي استانبول السَّابِق لكَون السُّلْطَان فوض إِلَيْهَا أَمر ذَلِك وَأَنَّهَا تعزل من أَرْبَاب الدولة من أَرَادَت وتولي من أَرَادَت فاضطربت أَرْبَاب المناصب لهَذَا وَاسْتمرّ هُوَ معزولاً ثمَّ ولى بعد مُدَّة قَضَاء قسطنطينية وَكَانَت تَوليته لَهَا فِي الْمحرم سنة سبع بعد الْألف ثمَّ ولي قَضَاء باناطولي فِي صفر سنة عشر وَألف وعزل مِنْهُ فِي رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة وَولي قَضَاء الرّوم مرّة فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمرَّة فِي الْمحرم سنة سبع عشرَة وانفصل عَنهُ مُدَّة وَفِي تِلْكَ الْمدَّة قدم إِلَى دمشق حَاجا وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وخدمته أهل دمشق خدمَة لم تتفق لغيره وبذلوا فِي تَعْظِيمه جهدهمْ ثمَّ حج ونظم قصيدته الْمَشْهُورَة وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ المنورة مدح بهَا النَّبِي

(يَا رَسُول الله أَنْت الْمَقْصد ... أَنْت للراجين نعم الْمسند)

(كل خير فَهُوَ مَجْمُوع لديك ... بَين جمع الرُّسُل أَنْت الْمُفْرد)

(كل من ناداك فِيمَا نابه ... فَازَ بالإسعاد فِيمَا يقْصد)

(قد أَتَى مُسْتَغْفِرًا مستشفعاً ... عَبدك الْمِسْكِين هَذَا أسعد)

(مستغيثاً شاكياً من نَفسه ... باكياً مِمَّا جنت مِنْهُ الْيَد)

<<  <  ج: ص:  >  >>