للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَايَة وَكَانَ لَهُ الْكَشْف الصَّرِيح وَهُوَ لِسَان ابْن عَرَبِيّ وَسمعت الْفَقِيه الأديب إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق الْمُقدم ذكره يَقُول إِنِّي كنت نظمت قصيدة مدحته بهَا ومطلعها

(دَعوه يكابد أشواقه ... فقد أَكثر الوجد أحراقه)

قَالَ وَكنت لم أنْشد لأحد مِنْهَا شَيْئا فصادفت الشَّيْخ أَيُّوب دَاخِلا من بَاب العنبرانيين إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي فبادرني بإنشاد مطْلعهَا هَذَا فتعجبت من ذَلِك وظننت أَنِّي مَسْبُوق بِهِ فَقَالَ لي أنظمت شَيْئا من هَذَا الروي وَالْوَزْن فَقلت لَهُ نعم فَقَالَ فِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة أنشدتني قصيدة هَذَا مطْلعهَا اذْهَبْ وائتني بهَا وَله من هَذَا الأسلوب وقائع كَثِيرَة وَرُوِيَ عَنهُ أَنه رأى الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ وعَلى أبوابه حجب كَثِيرَة نَحْو الْأَرْبَعين فَدَخلَهَا وَلم يمنعهُ أحد من الْحجاب فَلَمَّا كشفها وَوصل بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ أَنْت على قدمي يَا أَيُّوب وَلَا أعلم أحدا دخل عَليّ غَيْرك وَرَأى النَّبِي

والسادة الْعشْرَة مَعَه وَهُوَ يَقُول لِابْنِ عَمه عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قل لأيوب طُوبَى لعصر أَنْت فِيهِ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي همزيته الَّتِي أَولهَا

(يَا عريبا حموا حمى الجرعاء ... )

وَكَانَ ملازماً فِي جَمِيع أوقاته على قَول لَا إِلَه إِلَّا الله حَتَّى امتزجت بِهِ فَكَانَ إِذا نَام يسمع هديره وَكَانَ يَقُول لَو كنت فِي مبد أَمْرِي اعْلَم مَا فِي لَا إِلَه إِلَّا الله من الْإِسْرَار مَا طلبت شَيْئا من الْعُلُوم وَذكر فِي رسَالَته الأسمائية أَن أسْرع الْأَذْكَار نتيجة لَا إِلَه إِلَّا الله وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص إِلَّا أَن هَذِه السُّورَة أورادها أقهر للنَّفس الأمارة وَأَشد تَأْثِيرا فِي فنائها فَهِيَ أولى للمتوسط فِي سلوك الطَّرِيقَة بعد ظُهُور نتائج كلمة التَّوْحِيد وَكَانَ مغرماً بالجمال الْمُطلق لَا يفتر وَلَا يمل من التعشق والتوله وَفِي ذَلِك يَقُول

(قَالَ الْمُحَقق أَن القطب يعشق مَا ... بدا لَهُ من جمال قلت قد صدقا)

(وَأَن تفِيد فَقل أصل الْجمال بِهِ ... مخيم لَا تلوم الْفَرْع إِن لَحقا)

وَقَالَ أَيْضا

(قد لامني الْخلق فِي عشق الْجمال وَمَا ... يدروا مرادي فِيهِ آه لَو عرفُوا)

(وصلت مِنْهُ إِلَى الْإِطْلَاق ثمَّ سرى ... سرى إِلَى قيد حسن عَنهُ قد وقفُوا)

وَكَانَ يَقع لَهُ فِي بَاب الْعِشْق أَحْوَال مقرونة بكرامات وَمن أشهرها مَا حدث بِهِ بعض الثِّقَات أَن الشَّيْخ حضر لَيْلَة عِنْد بعض خلانه وَكَانَ فِي الْمجْلس غُلَام بارع

<<  <  ج: ص:  >  >>