للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفراديس وَكَانَ قبل مَوته بلحظة أَمر بعض من حضر عِنْده بِقِرَاءَة سُورَة يس فقرؤها وَكَانَ هُوَ فِي حَالَة النزع يُحَرك شفته مَعَهم إِلَى أَن وصلوا إِلَى قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون فَمد السبابَة إِشَارَة إِلَى الشَّهَادَة وَخرجت روحه وَرَآهُ بعض الثِّقَات لَيْلَة مَوته وَجَمَاعَة ينشدون هَذِه الْمقَالة ويذكرون أَن البوريني نظمها وَأوصى أَن ينشدونها أَمَام جنَازَته وَهِي للقاء الله باسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله كنت أمس بَين أحبابي وأصحابي وأترابي فدعاني نَحوه رَبِّي ألف أَهلا وَألف باسم الله وَرَآهُ بعض الْفُضَلَاء بعد مَوته فِي مَنَامه كَأَنَّهُ على كرْسِي عَظِيم فِي رَوْضَة غناء وَعَلِيهِ هَيْبَة وَإِلَى جَانِبه رجل وَهُوَ يعلم أَنه مَاتَ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي كَيفَ حالك وَمَا فعل الله بك فَقَالَ إِنِّي جعلت بَيْتَيْنِ يعلم مِنْهُمَا مَا فعل الله بِي ثمَّ أنْشد قَوْله

(وَفِي لي من أَهْوى وآنس وحشتي ... وداوى فُؤَادِي بالتداني وبالقرب)

(فَظن بِهِ خيرا وَإِن كنت مذنبا ... فَمَا خَابَ عبد أحسن الظَّن بالرب)

ونظم هَذِه الرّبَاعِيّة قبل مَوته وَأوصى أَن تكْتب على قَبره وَهِي قَوْله

(يَا رب تبِعت سيد الْأَبْرَار ... واخترت سَبِيل صُحْبَة الأخيار)

(وَالْيَوْم فَلَيْسَ لي سوى لطفك بِي ... يَا رب فوقني عَذَاب النَّار)

ورثاه جمَاعَة من فضلاء زَمَانه مِنْهُم الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَنهُ وتلمذ لَهُ مُدَّة وقصيدته أحسن مَا قيل فِيهِ من المراثي وَهِي مَشْهُورَة متداولة مطْلعهَا قَوْله

(زلزل الْكَوْن والقتام علا ... وَهوى الْبَدْر بَعْدَمَا كلا)

ويعجبني مِنْهَا قَوْله

(كم لَهُ من فَوَائِد وفدت ... قد غَدا ركنهن مرتحلا)

(والبلاغات بعد مَا بلغت ... حَدهَا مِنْهُ دَانَتْ الأجلا)

(فِي اللسانين فَارس بَطل ... فاللسان بعده بطلا)

(راق روض النهى بِهِ زَمنا فِي دمشق وَبعده ذبلا ... )

(نَدم الدَّهْر حَيْثُ جادبه ... غلطة بعد طول مَا بخلا)

(عقد در فِي السلك قد عبثت ... مِنْهُ أَيدي الْمنون فانفصلا)

(كَانَ للدهر بهجة وسنا ... مِنْهُ أما إِذا غَابَ عَنهُ فَلَا)

(قل لمن شَاءَ أَن يؤرخه ... بدر علم فِي الشَّام قد أَفلا)

وَمن غَرِيب مَا وَقع بعد مَوته أَنه كَانَ فِي مَرضه تفرغ عَن الْمدرسَة الشامية البرانية لِلشِّهَابِ أَحْمد العيثاوي فَلم يقبل قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف

<<  <  ج: ص:  >  >>