للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(سَببا للعنا يجني الْغنى للشام لَو عقلوا ... مَا لَيْسَ يجني عَلَيْهِم الْعَدَم)

مَا من منصب إِلَّا وَبَاعه لغير أَهله وَلم يجْتَهد فِي ايقاع تَقْلِيده فِي مَحَله إِلَّا مَا صَادف فِيهِ قسر الْإِيرَاد وَلَا يتصوّر فِيهِ راد فطاوعه مطاوعة السفن للتيار على رغم أَنفه وقاسي فِيهِ مقاساة تُرِيدُ على حتفه حَتَّى أَنه لما ذوت أَغْصَان رياض ابْن بُسْتَان وانتقل من هَذِه الديار إِلَى روضات الجنات هم بِصَرْف الْإِفْتَاء عَمَّن تحلت بِهِ الْمَرَاتِب وتوجت باسمه نواصي المناصب السَّيِّد السعد الَّذِي تمّ بِهِ الشّرف وَصَارَت تحف الْأَيَّام بمعاليه تحف وَسبب نزاعه لَهُ الْحَسَد الَّذِي امْتَلَأَ بِهِ إِنَاء الْجَسَد فَأَنْشد لِسَان الزَّمَان لمن عاداهم من السَّادة الْأَعْيَان

(اصبر على مضض الحسود فَإِن صبرك قَاتله ... )

(فَالنَّار تَأْكُل بَعْضهَا ... إِن لم تَجِد مَا تَأْكُله)

وَكَانَ ذَلِك سَببا لتأخيره وتدبير الدَّهْر فِي تدميره كَيفَ لَا وَهُوَ لَا يزَال فِي مجَالِس جود ومقام الْعِبَادَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود رَجَعَ إِلَى بعض أَوْصَافه من قلَّة مبالاته وَعدم انصافه فَلم يزل على هَذَا الأسلوب غافلا عَمَّا نَوَاه الدَّهْر من الخطوب يتَنَاوَل كؤوس الْفساد كالمغرم الهائم وَلَا يُبَالِي بعذل عاذل وَلَا لوم لائم لَا يُقَابل خَالص النصح بالإنتصاح وَقد غَدا فِي سَمعه أضيع من مِصْبَاح فِي الصَّباح

(يقْضِي على الْمَرْء فِي أَيَّام دولته ... حَتَّى يرى حسنا مَا لَيْسَ بالْحسنِ)

إِلَى أَن أَرَادَت دوحة غُصْن السلطنة الْأَزْهَر ومعدن الْخلَافَة الَّذِي حلى جيد الزَّمَان بذلك الْجَوْهَر رَافِعَة أَعْلَام الْخيرَات والناصبة لَهَا على طرق المبرات لَا زَالَت من حوادث الدَّهْر خليه وَمن أكدار الزَّمن صَفيه وضع أساس جَامع وَهُوَ لكل شرف وَأجر جَامع المؤسس الْبُنيان على تقوى من الله ورضوان فَاجْتمع هَالك أَعْيَان الدولة وَكثير من النَّاس ليؤخذ برأيهم الْكَشَّاف للمشكل فِي الأساس فوصل المترجم إِلَى ذَلِك الْمجْلس وَهُوَ فِي فلك الْعِزّ قمر لَا يخْشَى السرَار ويأبى لنَفسِهِ غير الأبدار وَنزل عَن جَوَاده ودوران الْفلك على قدر مُرَاده فبادر عُظَمَاء الدولة إِلَى استقباله وأدوا فَرَائض توقيره وإجلاله فَسلم عَلَيْهِم يَمِينا وَشمَالًا وَاسْتقر فِي الصَّدْر وعزه يهزأ بالبدر كمالا وَهُوَ يترنح من نشوة قهوة الْمجد سكرا وَينظر إِلَى كبراء الدولة شزرا فشرع فِي قطع الْأُمُور وَوَصلهَا وَأخذ فِي عقدهَا وحلها وهم لأَمره سامعون وبلسان الْحَال قَائِلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>