أرخص من عُقُود اللآلي كل غالي السّعر إِلَى ظرف شيم وشمايل تطيب بأنفاسها الصِّبَا وَالشَّمَائِل والمام بنوادر المجون يحلى حَدِيثه والْحَدِيث شجون وَلم يزل يتنقل فِي الْبِلَاد ويتقلب حَتَّى قدم على وَالِده قدوم أخي الْعَرَب على آل الْمُهلب وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَسبعين وَألف فأحله الْوَالِد لَدَيْهِ محلا عقد فِيهِ نواصي الآمال بَين يَدَيْهِ وأمطره سحائب جوده وَكَرمه ورد شباب أمله بعد هرمه فَأَقَامَ بِحَضْرَتِهِ بَين خير وَخير وَتقدم مَا شَاءَ مَا شابه تَأْخِير إِلَى أَن خوى من أفق الْحَيَاة طالعه وأدجت بأفول عمره مطالعه وَمن مصنفاته شرح نهج البلاغة وعقود الدُّرَر فِي حل أَبْيَات المطول والمختصر وهداية الْأَبْرَار فِي أصُول الدّين ومختصر الأغاني والاسعاف وَغير ذَلِك وَأنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة مطْلعهَا
(لَك الْخَيْر لَا زيد يَدُوم وَلَا عَمْرو ... وَلَا مَاء يبْقى فِي الدنان وَلَا خمر)
(فبادر إِلَى اللَّذَّات غير مراقب ... فمالك أَن قصرت فِي نيلها عذر)
(فَإِن قيل فِي الشيب الْوَقار لأَهله ... فَذَاك كَلَام عَنهُ فِي مسمعي وقر)
(وَقَالُوا نَذِير الشيب جَاءَ كَمَا ترى ... فَقلت لَهُم هَيْهَات أَن تغني النّذر)
(لَئِن كَانَ رَأْسِي غير الشيب لَونه ... فرقة طبعي لَا يغيرها الدَّهْر)
(يَقُولُونَ دع عَنْك الغواني فَإِنَّمَا ... قصاراك لحظ الْعين وَالنَّظَر الشزر)
(وَهل فِيك للغيد الحسان بَقِيَّة ... وَقد ظهر الْمكنون وارتفع السّتْر)
(وَمَا للغواني وَابْن سبعين حجَّة ... وحلم الْهوى جهل ومعروفه نكر)
(فَقلت دَعونِي فالهوى ذَلِك الْهوى ... وَمَا الْعُمر إِلَّا الْعَام وَالْيَوْم والشهر)
(نشأت أحب الغيد طفْلا ويافعا ... وكهلا وَلَو أوفي على الْمِائَة الْعُمر)
(وَهن وَإِن أعرضن عني حبائي ... لَهُنَّ عَليّ الحكم والنهى وَالْأَمر)
(أحاشيك بِي مِنْهُم من لَو تعرضت ... لنوء الثريا لاستهل لَهَا الْقطر)
(ترقرق مَاء الْحسن فِي نَار خدها ... فماء وَلَا مَاء وجمر وَلَا جمر)
(فيا بعد مَا بَين الحسان وَبَينهَا ... لَهُنَّ جَمِيعًا شطرها وَلها الشّطْر)
(برهرهة صفر الوشاح إِذا مشت ... تجاذب مِنْهَا الردف والعطف والخصر)
(من الْبيض لم تغمس يدا فِي لطيمة ... وَقد مَلأ الْآفَاق من طيبها نشر)
(تَخِر لَهَا زهر الْكَوَاكِب سجدا ... وتعنو لَهَا الشَّمْس المنيرة والبدر)
(تخال بجفنيها من النّوم لوثة ... وتحسبها سكرى وَلَيْسَ بهَا سكر)