الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله الْمَعْرُوف بالمملوك نزيل دمشق أحد الْأَفْرَاد الْمجمع على جلالته وتبحره فِي الْعُلُوم وتمكنه فِي التصوف والمعارف الألهية وَالْأَدب وَكَانَ عَالما متجرا زاهدا ورعا عابدا منتسكا متجردا عَن المَال والأهل مُنْفَرد فِي زَوَايَا التَّوَاضُع والمسكنة حكى عَن نَفسه مرَارًا أَنه كَانَ فِي مبدأ أمره رَقِيقا لرجل من أَعْيَان التُّجَّار بِمَدِينَة حلب بمحلة البياضة يُقَال لَهُ قرابكر وَاسْتمرّ مَوْلَاهُ يربيه كولده الَّذِي من صلبه ويعلمه الكمالات ويقرئه بإجتهاد وَطَلَبه من عهد حداثته وَأَيَّام شبابه حَتَّى مَال طبعه إِلَى الْكَمَال وَقَرَأَ على مَشَايِخ حلب مِنْهُم الشَّيْخ عمر العرضي وتلميذه الشَّمْس الْعِمَادِيّ الْعُلُوم الْعَرَبيَّة والفنون الأدبية وَلم يزل حَتَّى حصل شَيْئا وافراً من الْعُلُوم وَأخذ طَرِيق الْقَوْم عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْعِمَادِيّ وَالِد الشَّمْس وَكَانَ لَهُ قدرَة على تأليف مقامات الصُّوفِيَّة بالألحان الطبية وينشد كَلَام الْقَوْم فِي حَلقَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الْمَذْكُور ويقرئ الطّلبَة فِي مُقَدمَات الْعُلُوم وَكَانَ أعْتقهُ مَوْلَاهُ من رقّه وَأحسن إِلَيْهِ وَبَالغ فِي إكرامه وَسلم إِلَيْهِ جَمِيع مَاله وَصَارَ يُرْسِلهُ إِلَى الْبِلَاد بأسفار التِّجَارَة ويلاحظه السعد فِي أَسْفَاره إِلَى أَن حصل لسَيِّده شَيْئا كثيرا من المَال ثمَّ توفّي سَيّده بحلب فتجرد من قَيده فِي التِّجَارَة وَفَارق حلب ورحل إِلَى مصر وجاور فِي جَامع الْأَزْهَر وَقَرَأَ على مَشَايِخ ذَلِك الْعَصْر واجتهد فِي التَّحْصِيل إِلَى أَن صَار من أكَابِر الْعلمَاء وصناديد الْفُضَلَاء وَحج وجاور سِنِين وَقدم دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى حلب وَأخذ الْعَهْد من طريف الخلوتية وتجرد وَترك صُحْبَة النَّاس ومعاشرتهم وَالْتزم السلوك فِي طَرِيق الْحَقِيقَة على دأب مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وبرع فِي الزّهْد وَالصَّلَاح وَكَانَ لَهُ فِي الْأَدَب حَظّ وافر وَله التفوق فِي دقائق الألغاز والمعميات ونظم الشّعْر البديع وَجمع لنَفسِهِ فِي آخر أمره ديوانا من شعره وَأحسن فِي جمعه وَضَبطه وَكَذَلِكَ جَمِيع ديوانا من ألغازه ورتبه على حُرُوف المعجم ووسمه بتشحيذ الحجا بألغاز حُرُوف الهجاء وَشرح ألغاز الْأُسْتَاذ عمر بن الفارض فِي نمط بديع وأسلوب عَجِيب وَألف رسائل كَثِيرَة فِي فنون عديدة وَمن شعره قصيدته النونية فِي مدح النَّبِي
ومطلعها
(لَاحَ برق من بروق الأربقين ... أم سنا من نور أهل الرقمتين)
(حارت الْأَلْبَاب فِي مَعْنَاهُمَا ... وَمعنى الْوَصْل لَا يدْرِي لاين)
(بعد الطَّالِب وَالْمَطْلُوب هَل ... تَنْفَع الشكوى بعيد الهجرتين)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute