فعاتبته على ذَلِك وَقلت لَهُ مَا ضعت بَين المشارقة بل شاع ذكرك وَضاع نشْرك وسما قدرك فَمَا أنصفت فِيمَا قلت فاعترف بذلك من حَيْثُ لَا يَسعهُ الْإِنْكَار وَقَالَ إِنَّهَا نفثة مصدور على وَجه الِاعْتِذَار ثمَّ أدمج القَوْل بِأَنَّهُ وَإِن حصل فِي الْعلَا تَمام النِّعْمَة إِلَّا إِنَّه فِي بَلْدَة صَغِيرَة لَيْسَ بهَا عَالم يعرف قدره ثمَّ أَنْشدني مقَالَة العتابي يُشِير إِلَى ذَلِك
(الْمَرْء فِي سوق الزَّمَان سلْعَة ... يرخص أَو يغلو بِقدر الْبقْعَة)
(وَهَا أَنا بوادي درعة رخيص ... وَلَيْسَ لي عَمَّا قضى الله محيص)
(يَا من يَلُومن على سكني درى فَلَا تقل لما جرى كَيفَ جرى ... )
وَهَذِه الأبيات تدل على أَنه يُقَال للمكان درعة بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا عين مُهْملَة ودرى وَالرَّاء مَفْتُوحَة إِلَّا أَنه سكنها ضَرُورَة ولغة فِي درعة وَمن هُنَا يُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا درعى ودرى وَقَالَ ثمَّ اجْتَمَعنَا بِهِ فِي الرّجْعَة فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة ثَمَان فأنس بِنَا وانسنا بِهِ وَلما عدت إِلَى الْحَج فِي سنة عشرَة رَأَيْته قد سَافر إِلَى الرّوم وعدت إِلَى الْحَج فِي سنة إِحْدَى عشرَة فَلَمَّا كُنَّا بِمَكَّة المشرفة فِي أواسط ذِي الْحجَّة بلغنَا أَنه غرق فِي بَحر جدة فِي الْمركب الْمَعْرُوف بالخاصكية فِي الشَّهْر الَّذِي قبله لحقته غَارة الأقدار وساقت إِلَيْهِ الْمَقَادِير مَا خطّ فِي أم الْكتاب رَحمَه الله تَعَالَى
الْحُسَيْن بن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن المهلا فِي حَقه إِمَام عُلُوم مُحَمَّد الَّذِي اعْترف أولو التَّحْقِيق بتحقيقه وأذعن أَرْبَاب التدقيق لتدقيقه واشتهر فِي جَمِيع الأقطار اليمنية بالعلوم السّنيَّة أَخذ عَن وَالِده الإِمَام الْمَنْصُور الْقَاسِم ولازمه حَتَّى برع وترعرع وَأخذ عَن الإِمَام الْعَلامَة لطف الله بن مُحَمَّد بن الغياث المظفري وجدي الْمُجْتَهد عبد الله المهلا وَلَقي كثيرا من شُيُوخ عصره وَله التصانيف الشهيرة كغاية السول فِي علم الْأُصُول وَشَرحه هِدَايَة الْعُقُول وَكتاب فِي آدَاب الْعلمَاء والمتعلمين اخْتَصَرَهُ من كتاب جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ للسَّيِّد السمهودي وَكَانَ لَهُ الْخط الْحسن الَّذِي لَا نَظِير لَهُ وَمن شعره البديع قَوْله
(مولَايَ جد بوصال صب مدنف ... وتلافه قبل التلاف بموقف)
(وَارْحَمْ فديت قَتِيل سيف مرهف ... من مقلتيك طعين قد مر هف)
(فَامْنُنْ بحقك يَا حبيب بزورة ... تحيي بهَا الْقلب القريح فيشتفي)
(أعلمت أَن الصد أتلف مهجتي ... والصد للعشاق أعظم متْلف)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute