ثمَّ يعود إِلَى المنارة الْمَذْكُورَة وَكَانَ فِي بعض الْأَحَايِين يتركع بعد الْعشَاء أَو قبلهَا فِي محراب الْحَنَابِلَة رَكْعَات كثيرات غير معتدلة وَكَانَ لَهُ نزاهة وإعراض عَن الدُّنْيَا وَرُبمَا يُعْطِيهِ بعض النَّاس شَيْئا فَيَأْخُذ مِنْهُ وَيُعْطِيه على الْفَوْر لمن يسْتَحقّهُ وَكَانَ لطيف البداهة عذب المخاطبة وَكَلَامه أَكْثَره جَوَاب وَكَانَت تعتريه أَحْوَال عَجِيبَة وحركات غَرِيبَة وَله مَنَاقِب مَشْهُورَة ومكاشفات مأثورة حدث بعض الثِّقَات عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ مفتي دمشق قَالَ لما قدم الشَّيْخ يُوسُف بن أبي الْفَتْح إِلَى دمشق بعد وَفَاة السُّلْطَان عُثْمَان وَرَأس فِي دمشق كَانَ يبلغنِي عَنهُ التَّعَرُّض إِلَيّ بِبَعْض الْمَكْرُوه فَذكرت ذَلِك للسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بالمنير وَكَانَ من المعمر بن الصَّالِحين فَقَالَ لي الْوَقْت لحسين بن فرفرة تذكر لَهُ ذَلِك فَعرض ذَلِك عَلَيْهِ فجَاء حُسَيْن بعد يَوْمَيْنِ إِلَى درس الْمَذْكُور بالجامع الْأمَوِي والفتحي جَالس يلقِي الدَّرْس فِي الشفا للْقَاضِي عِيَاض وَمَعَهُ حرَام ملأَهُ أوخام من كناسَة الْجَامِع فَدخل ونفض مَا فِيهِ على الدَّرْس الْمَذْكُور ثمَّ خرج فَبعد شهر جَاءَ بريد يَطْلُبهُ لأمامة السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ أَمَامه الْمَعْرُوف بمنلا أوليا قد توفّي فِي روان فَذكر بعض خدمَة السلطنة ابْن أبي الْفَتْح وَأَنه كَانَ أَمَام الحضرة السُّلْطَانِيَّة فَأخذ من دمشق بالإكرام التَّام ثمَّ أَن الْعِمَادِيّ الْمَذْكُور قَالَ للسَّيِّد الْمُنِير ذهب الفتحي لَكِن مَا ذهبت صولته فَقَالَ لَهُ أَن الْمَقْصُود كَانَ ذَهَابه من هَذِه الْبَلدة على أَي حَالَة كَانَت وَهَذَا الأبعاد عَن الديار المقدسة إِلَى الْأَبَد وَهَكَذَا أوقع فَإِن الفتحي لم يعد بعْدهَا إِلَى دمشق وَمَات بالروم وَاتفقَ لصَاحب التَّرْجَمَة من الكرامات مَا اشْتهر انه أَتَى لدرس النَّجْم الغزى مفتي الشَّافِعِيَّة مُحدث الشَّام فِي عصره على الْإِطْلَاق وَكَانَ يقرئ صَحِيح البُخَارِيّ تَحت قبَّة النسْر من جَامع بني أُميَّة فَأخذ يُورد كلَاما خَالِيا عَن الضَّبْط وَيسْأل سُؤَالَات خَارِجَة عَن الْمَقْصُود فَقَالَ لَهُ النَّجْم اسْكُتْ فَقَالَ لَهُ بل أَنْت اسْكُتْ وَقَامَ مغضبا من مجْلِس الدَّرْس فاتفق أَن النَّجْم مرض بعد أَيَّام واعتراه طرف من الفالج فأسكت وَحضر الدَّرْس نَحْو سِتَّة أَعْوَام وَهُوَ سَاكِت ثمَّ تقرب إِلَى خاطر صَاحب التَّرْجَمَة فَانْطَلق لِسَانه بعد ذَلِك وَكَانَ يقبل يَد الْحُسَيْن وَيعْتَذر إِلَيْهِ بعْدهَا يوده وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من أَرْبَاب الْقُلُوب وَالْأَحْوَال وَمَا زَالَ على حَالَته لَا يتَغَيَّر فِي طوره من الأطوار إِلَى أَن توجه إِلَى الْحَج فانتقل بالوفاة إِلَى رَحمَه الله تَعَالَى فِي الطَّرِيق وَدفن بِمَنْزِلَة تَبُوك وقبره ظَاهر يزوره الْحجَّاج ويتبر كَون بِهِ وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَسِتِّينَ ألف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute