للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَيِّبًا فَسَأَلَهَا الشريف وَأَعْطَاهَا الْأمان من المعاقبة فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهرا فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَحكى الشَّمْس البابلي الْمصْرِيّ أَن الْحَكِيم دَاوُد مر بِبَعْض الحارات الَّتِي يسكنهَا الضُّعَفَاء والفقراء فَسمع صَوت مَوْلُود حَال وِلَادَته فَقَالَ هَذَا صَوت بكري فتفحصوا عَن ذَلِك فوجدوه كَمَا قَالَ وَإِن بعض البكريين تزوج ببنت فَقير خُفْيَة وَوَافَقَ مُرُور صَاحب التَّرْجَمَة حَال وِلَادَتهَا بِالْوَلَدِ قلت وَمِمَّا ينْقل من غَرَائِبه وَلَا أَدعِي صِحَّته أَنه ورد إِلَى مَكَّة طَبِيب وَمَعَهُ حب قَابض فَرغب النَّاس فِيهِ واشتهر أمره فوصل خَبره إِلَى دَاوُد فجَاء إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن تركيب الْحبّ الْمَذْكُور فَأَجَابَهُ أَن شهرتك فِي الحذق تنبو عَن هَذَا السُّؤَال وَيَنْبَغِي لمثلك أَن يخبر بأجزائه إِذا أذاقه فَقَالَ لَهُ إِذا أَخْبَرتك هَل تصدقني وَلَا تخَالف على فِي شَيْء فأقسم لَهُ أَنه لايخالف عَلَيْهِ فِي شيئ فَقَالَ لَهُ كم عدد أَجْزَائِهِ فَقَالَ ثَلَاثُونَ فذاقه ثمَّ أَخذ يذكر الْأَجْزَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد والطبيب يصدقهُ على مَا يَقُول إِلَى أَن بَقِي جُزْء وَاحِد فاظهر الْعَجز عَن مَعْرفَته فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب لَا بُد وَأَن تمعن النّظر فِيهِ وتظهره فذاق حَبَّة وَتوقف حِصَّة ثمَّ قَالَ لَهُ أَن كَانَ وَلَا بُد فَهَذَا الْجُزْء مِمَّا لَا طعم لَهُ وَلَا رَائِحَة وَهُوَ الكهربا وَهِي مُبَالغَة بَالِغَة إِلَى إفراط وَلَوْلَا شهرتها عَنهُ كثيرا فِي الْأَلْسِنَة مَا ذكرتها نعم حكوا عَنهُ مَا هُوَ ألطف موقعا من هَذِه وَهِي أَن رجلا دخل عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَي شَيْء يقوم مقَام اللَّحْم فَقَالَ الْبيض فَغَاب عَنهُ سنة وجاءه فَرَآهُ منهمكا فِي تركيب يجمع أجزاءه فَقَالَ لَهُ بِأَيّ شَيْء يقلى فَقَالَ بالسمن وَهَذِه شَبيهَة بِقصَّة أبي الْعَلَاء المعري مَعَ المنازي لما أنْشدهُ بِالشَّام أبياتا فَقَالَ أَنْت أشعر من بِالشَّام ثمَّ اتّفق اجْتِمَاعهمَا بالعراق بعد سبع سِنِين فَأَنْشد المنازي أبياتا أخر فَقَالَ لَهُ وَمن بالعراق قريب من هَذِه مَا يحْكى ى عَن أبي الْعَلَاء أَيْضا أَنه كَانَ سَافر مَعَ رَفِيق لَهُ إِلَى جِهَة فمرا فِي طريقهما بشجرة فَلَمَّا قربا مِنْهَا قَالَ لَهُ رَفِيقه إياك وشجرة أمامك فا نَحن حَتَّى تجاوزها فَلَمَّا رَجَعَ من ذَلِك الطَّرِيق أَيْضا انحنى أَبُو الْعَلَاء لما قرب من مَكَان الشَّجَرَة ورفيقه ينظر إِلَيْهِ وَقد تجاوزنا الْحَد فِي الإطالة فلنرجع إِلَى تَتِمَّة الشَّيْخ دَاوُد فَنَقُول وَله شعر كثير لَكِن لم يذكرله الَّذين ترجموه إِلَّا أبياته الْمَشْهُورَة وَهِي

(من طول أبعاد ودهر جَائِر ... ومسيس حاجات وَقلة منصف)

(ومغيب ألف لَا اعتياض بِغَيْرِهِ ... شط الزَّمَان بِهِ فَلَيْسَ بمسعف)

(أوّاه لَو حلت لي الصَّهْبَاء كي ... أُنْثَى فأذهل عَن غرام متْلف)

<<  <  ج: ص:  >  >>