للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيره وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ ألف

زَكَرِيَّا بن بيرام مفتي الممالك الإسلامية علم الْعلمَاء المتجرين فِي جَمِيع الْعُلُوم وَكَانَ إِلَيْهِ الهاية فِي التَّحْقِيق وَهُوَ أَمِير أهل عصره فِي الْفِقْه وَالْأُصُول أَصله من أنقرة وَبهَا ولد وَنَشَأ ثمَّ قدم إِلَى قسطنطينة واشتغل بهَا على الْمولى عبد الْبَاقِي الْمَعْرُوف بعرب زَاده ثمَّ وصل إِلَى خدمَة مَعْلُول أَمِير فصحبه مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة خمسين وَألف وشارك الْعَلامَة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَلما وصل إِلَى قَضَاء أَنا طولي صيره حَافظ التذاكر ولازم مِنْهُ وأحاط بِكَثِير من الْعُلُوم إحاطة تَامَّة وَألف تآليف شاهدة بدقة نظره وتمكنه مِنْهَا حَوَاشِيه على أكمل الدّين وعَلى صدر الشَّرِيعَة وَغير ذَلِك وَله نظم ونثر بِالْعَرَبِيَّةِ مسبوكان فِي قالب الْجَوْدَة فَمن ذَلِك مَا قرظ بِهِ طَبَقَات القَاضِي تقى الدّين التَّمِيمِي الْمُقدم ذكره

(هَذَا كتاب فاق فِي أقرانه ... يسبي الْعُقُول بكشفه وَبَيَانه)

(سفر جليل عبقري ماجد ... سحر حَلَال جَاءَ من سحبانه)

(أوراقه أَشجَار روض زَاهِر ... قد تجتني الثمرات من أفنانه)

(لله در مؤلف فاق الورى ... بفرائد فغدا فريد زَمَانه)

(فجزاه رب الْعَالمين بِلُطْفِهِ ... طَبَقَات عز فِي فسيح جنانه)

لما تعمقت فِي لجج هَذَا الْبَحْر الزاخر صادفت أصداف أَصْنَاف الدُّرَر الكامنة النَّوَادِر وألفيته رَوْضَة غناء زاهرة أزهارها وزهرة زهراء ناضرة أنوارها وجنات شقائقها محمرة وجنات حدائقها فخصرة تذكرة لعارف تقى وتبصرة المتبصر عَن الرذائل نقى جَاوز الشعرى بِشعرِهِ الْفَائِق وفَاق النثرة بنثره الرَّائِق قد استضاء بجواهره المضيئة تَاج تراجم الْأَعْيَان فَصَارَ كَأَنَّهُ مرْآة انعكس فِيهَا صور سير الأسلاف وأشراف أفاضل الزَّمَان اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْننَا وَبينهمْ فِي غرف عدن وطبقات الْجنان وَمن شعره قَوْله

(أخف عليّ من منن الرِّجَال ... من الدُّنْيَا الدنية ارتحالى)

(لَئِن ساءت بِسوء الْجَار حَالي ... أحوّل بَلْدَة أُخْرَى رحالي)

وَقَوله أَيْضا

(إِذا مَا كنت مرضيّ السجايا ... وعاش النَّاس مِنْك على أَمَان)

(فعش فِي الدَّهْر ذَا أَمن ويمن ... ويوصلك الْإِلَه إِلَى الْأَمَانِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>