عَنهُ جمَاعَة وَطَابَتْ لَهُ طيبَة فاستوطنها ودانت لَهُ أهاليها وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق معرضًا عَن الاكتراث بمفاخر الدُّنْيَا حَلِيمًا إِلَى الْغَايَة أجمع أَصْحَابه أَنه لم يغْضب وَلَا دَعَا على أحد وَإِن تكلم فِيهِ بقدح أَو سبه وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه كَانَ عَادَته الِاغْتِسَال للصبح كل يَوْم من إبريق معد لذَلِك فاتفق أَنه كثر فِي بعض اللَّيَالِي مرق العشاق فطرحه غُلَامه فِي ذَلِك الإبريق فَلَمَّا أصبح نَاوَلَهُ الإبريق فاغتسل بِهِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ الْغُلَام أَنا الَّذِي طرحته فِي الإبريق فَلم يغْضب وَلم يُعَاقب الْغُلَام وَكَانَ كثير الْبَذْل والولائم وَكَانَ لَا يتَمَيَّز بِشَيْء عَن ضيفانه ويساوي نَفسه بخدمه وَكَانَ كَثِيرُونَ يحْضرُون وليمته وَلَا يعْرفُونَ صورته وَإِذا اجْتمع الْفُقَرَاء تَحت دَاره قسم الطَّعَام عَلَيْهِم بِيَدِهِ وَلَا يُمكن من ذَلِك أحدا من عبيده وَمن تواضعه أَن جمَاعَة من مشايخه أذنوا لَهُ فِي التَّحْكِيم والالباس فَلم يفعل ذَلِك إِلَّا نَادرا وَبِالْجُمْلَةِ فقد عَمت بركته أهل عصره وَكَانَ مَعَ كَثْرَة مَا يُنْفِقهُ من الْأَمْوَال لَا يعرف لَهُ مَعْلُوم وَلَا جِهَة ظَاهِرَة فَكَانَ ينْفق من الْغَيْب وَكَانَ يتستر بالسلف وَالدّين وَلما سمع ذَلِك بعض وزراء الْهِنْد من محبيه أرسل لَهُ مركبا مشحوناً لقَضَاء الدّين الَّذِي عَلَيْهِ وَوصل الْمركب بندر جدة فَكَانَ فِي يَوْم وُصُوله قد استوفى أَجله فتوفى وَكَانَت وَفَاته فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من قبه أهل الْبَيْت وقبره مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى
زين بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الحديلي بن مُحَمَّد ابْن حسن الطَّوِيل ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْفَقِيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن علوي بن مُحَمَّد صَاحب مرباط اليمني الإِمَام الْعَالم الْعلم أحد فصحاء الْعلمَاء ولد بِمَدِينَة تريم سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَحفظ الْقُرْآن والجزرية والعقيدة الغزالية وَالْأَرْبَعِينَ النووية والإرشاد والقطر والملحة وَغير ذَلِك وَكَانَ فِي الْحِفْظ آيَة غَرِيب الضَّبْط للألفاظ قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته وَكَانَ رفيقي فِي الطّلب أَخذ الْفِقْه عَن شَيخنَا عبد الله بن أبي بكر الْخَطِيب وَشَيخنَا عبد الله بن زين بافقيه وَأخذ الْعَرَبيَّة عَنْهُم وَقَرَأَ الحَدِيث على شَيخنَا أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَشَيخنَا أَحْمد بن عمر البيتي وَلَكِن غلب عَلَيْهِ الْفِقْه وَكَانَ لَهُ عناية تَامَّة بالإرشاد ثمَّ ارتحل إِلَى الْهِنْد وَاجْتمعَ فِيهَا بخال كَانَ لَهُ هُنَاكَ فَأكْرمه وَلما مَاتَ خَاله تَعب تعباً شَدِيدا فِي الغربة فَرجع قَافِلًا إِلَى وَطنه فَلم يجد حَظه فَخرج من ديار حَضرمَوْت إِلَى الْيمن وتدبر بندر المخاو ورد علينا