هكذا قال الفقعسي للفرزدق حين عرَّض له بقوله: كيف تركت القنان؟: تبيض فيه الحمَّرُ، فهذا هو اللحن في المنطق والتعريض الحسن الذي يتوجه على وجهين ويكون بمعنيين، لأن قول أبي علي - رحمه الله - تركته يساير لصاف من المحال الذي لا يكون إلا إذا سُيِّرت الجبال فكانت سراباً؛ وكذلك رواية أبي علي - رحمه الله - في البيت الذي ذكرناه، لأن بني تميم لا تُعيَّر أكل جردان الحمار؛ إنما تعيَّره بنو فزارة لحديث.
وذلك أن رجلا من بني فزارة كان في نفر من العرب، فعدل الفزاري عن طريفهم لبعض شأنه وصاد القوم عيراً فأكلوه وأبقوا جردانه للفزاري، فلما لحق بهم قالوا: قد خبانا لك من صيدنا خبيئاً وأقفيناك منه بقفى وضعوه بين يديه، فجعل يأكله ولا يكاد يسيغه ويقول: أكل لحم الحمار جوفان؟