أَو يمْتَنع فعله نظرا الى رَأْي الْمَأْمُور فِيهِ خلاف وَهَذَا مُخْتَصّ بِمَا لَا ينْقض حكم الْآمِر بِهِ فان كَانَ مِمَّا ينْقض حكمه فَلَا سمع وَلَا طَاعَة وَكَذَلِكَ لَا طَاعَة لجهلة الْمُلُوك والأمراء الا فِيمَا يعلم الْمَأْمُور أَنه مَأْذُون بِهِ فِي الشَّرْع وَتفرد الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ لاختصاصه عز وَجل بنعم الانشاء والابقاء والتغذية وَالصَّلَاح الديني والدنيوي فَمَا من خير الا هُوَ جالبه وَمَا من ضرّ الا هُوَ سالبه وَلَيْسَ بعض الْعباد بِأَن يكون مُطَاعًا بِأولى من الْبَعْض إِذْ لَيْسَ لأحد مِنْهُم انعام بِشَيْء مِمَّا ذكرته فِي حق الاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلذَلِك لَا حكم الا لَهُ وَأَحْكَامه مستفادة من الْكتاب وَالسّنة والاجماع والاقيسة الصَّحِيحَة والاستدلالات الْمُعْتَبرَة فَلَيْسَ لأحد أَن يستحسن وَلَا أَن يسْتَعْمل مصلحَة مُرْسلَة وَلَا أَن يُقَلّد أحدا لم يُؤمر بتقليده كالمجتهد فِي تَقْلِيد الْمُجْتَهد أَو تَقْلِيد الصَّحَابَة وَفِي هَذِه الْمسَائِل اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء وَيرد على من خَالف ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِن الحكم إِلَّا لله أَمر أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْعَامَّة فان وظيفتهم التَّقْلِيد لعجزهم عَن التَّوَصُّل الى معرفَة الاحكام بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَاف الْمُجْتَهد فانه قَادر على النّظر الْمُؤَدِّي الى الحكم وَمن قلد إِمَامًا من الْأَئِمَّة ثمَّ أَرَادَ تَقْلِيد غَيره فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ خلاف وَالْمُخْتَار التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الْمَذْهَب الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَال اليه مِمَّا ينْقض فِيهِ الحكم فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَال الى حكم يجب نقضه فَإِنَّهُ لم يجب نقضه الا لبطلانه فَإِن كَانَ المأخذان متقاربين جَازَ التَّقْلِيد والانتقال لِأَن النَّاس لم يزَالُوا من زمَان الصَّحَابَة الى أَن ظَهرت الْمذَاهب الْأَرْبَعَة يقلدون من اتّفق من الْعلمَاء من غير نَكِير من أحد يعْتَبر انكاره وَلَو كَانَ ذَلِك بَاطِلا لأنكروه وَكَذَلِكَ لَا يجب تَقْلِيد الْأَفْضَل وان كَانَ هُوَ الأولى لِأَنَّهُ لَو وَجب تَقْلِيده لما قلد النَّاس الْفَاضِل والمفضول فِي زمَان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من غير نَكِير بل كَانُوا مسترسلين فِي تَقْلِيد الْفَاضِل وَالْأَفْضَل وَلم يكن الْأَفْضَل يَدْعُو الْكل الى تَقْلِيد نَفسه وَلَا الْمَفْضُول يمْنَع من سَأَلَهُ مَعَ وجود الْفَاضِل وَهَذَا مِمَّا لَا يرتاب فِيهِ عَاقل
وَمن الْعجب العجيب أَن الْفُقَهَاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مَذْهَب إِمَامه بِحَيْثُ لَا يجد لضَعْفه مدفعا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يقلده فِيهِ وَيتْرك من شهد الْكتاب وَالسّنة والاقيسة الصَّحِيحَة لمذهبه جمودا على تَقْلِيد امامه بل يتحيل لدفع ظواهر الْكتاب وَالسّنة ويتأولها بالتأويلات الْبَعِيدَة الْبَاطِنَة نضالا عَن مقلده وَقد رأيناهم يَجْتَمعُونَ فِي الْمجَالِس فاذا ذكر لأَحَدهم خلاف مَا وَطن نَفسه عَلَيْهِ تعجب فِيهِ غَايَة التَّعَجُّب من غير استرواح الى دَلِيل لما الفه من تَقْلِيد امامه حَتَّى ظن أَن الْحق منحصر فِي مَذْهَب امامه وَلَو تدبره لَكَانَ تعجبه من مَذْهَب الامام أولى من تعجبه من مَذْهَب غَيره والبحث مَعَ هَؤُلَاءِ ضائع مفض الى التقاطع والتدابر من غير فَائِدَة تجذبها وَمَا رَأَيْت أحدا رَجَعَ عَن مَذْهَب امامه اذا ظهر لَهُ الْحق فِي غَيره بل يصر عَلَيْهِ مَعَ علمه بضعفه وَبعده وَالْأولَى ترك الْبَحْث مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذين أذا عجز أحدهم عَن تمشية مَذْهَب امامه قَالَ لَعَلَّ امامي