للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهُوَ حسبي وَبِه أَعْتَصِم

وَاعْلَم يَا أخي أَن الْفُرُوع لَا حد لَهَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أبدا وَلذَلِك تشعبت فَمن رام أَن يُحِيط بآراء الرِّجَال فقد رام مَالا سَبِيل لَهُ وَلَا لغيره إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يزَال يرد عَلَيْهِ مَالا يسمع وَلَعَلَّه أَن ينسى أول ذَلِك بِآخِرهِ لكثرته فَيحْتَاج أَن يرجع إِلَى الاستنباط الَّذِي كَانَ يفزع مِنْهُ ويجبن عَنهُ تورعا بِزَعْمِهِ أَن غَيره كَانَ أدرى بطرِيق الاستنباط فَلذَلِك عول على حفظ قَوْله ثمَّ إِن الإِمَام يضطره إِلَى الاستنباط مَعَ جَهله بالأصول فَجعل الرَّأْي أصلا واستنبط عَلَيْهِ وَأنزل الرَّأْي منزلَة كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون

وَاعْلَم أَنه لم يكن مناظرة بَين اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة من السّلف إِلَّا ليتفهم وَجه الصَّوَاب فيصار إِلَيْهِ وَيعرف أصل القَوْل وعلته فتجري عَلَيْهِ أمثلته ونظائره وعَلى هَذَا النَّاس فِي كل الْبِلَاد إِلَّا عندنَا كَمَا شَاءَ رَبنَا وَعند من سلك سبيلنا من الْمغرب فَإِنَّهُم لَا يُقِيمُونَ علته وَلَا يعْرفُونَ لِلْقَوْلِ وَجها وَحسب أحدهم أَن يَقُول فِيهَا رِوَايَة لفُلَان وَرِوَايَة لفُلَان وَمن خَالف عِنْدهم الرِّوَايَة الَّتِي لَا يقف على مَعْنَاهَا وَأَصلهَا وَصِحَّة وَجههَا فَكَأَنَّهُ قد خَالف نَص الْكتاب وثابت السّنة ويجيزون حمل الرِّوَايَات المتضادة فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَذَلِكَ خلاف أصل مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَكم لَهُم من خلاف أصُول مذْهبه مِمَّا لَو ذكرنَا لطال الْكتاب بِذكرِهِ ولتقصيرهم عَن علم أصُول مَذْهَبهم صَار أحدهم إِذا لَقِي مُخَالفا مِمَّن يَقُول بقول أبي حنيفَة أَو الشَّافِعِي وَغَيرهم من الْفُقَهَاء وَخَالفهُ فِي أصل قَوْله بَقِي متحيرا وَلم يكن عِنْده أَكثر من حِكَايَة قَول صَاحبه فَقَالَ هَذَا قَالَ فلَان وَهَكَذَا روينَا ولجأ إِلَى أَن يذكر فضل مَالك ومنزلته فَإِن عَارضه الآخر بِذكر فضل إِمَامه أَيْضا صَار فِي الْمثل كَمَا قَالَ الأول ... شَكَوْنَا إِلَيْهِم خراب الْعرَاق ... فعابوا علينا شحوم الْبَقر ...

وَفِي مثل ذَلِك يَقُول مُنْذر بن سعيد ... عذيري من قوم يَقُولُونَ كلما ... طلبت دَلِيلا هَكَذَا قَالَ مَالك

وَإِن عدت قَالُوا هَكَذَا قَالَ أَشهب ... وَقد كَانَ لَا يخفى عَلَيْهِ المسالك

وَإِن زِدْت قَالُوا قَالَ سَحْنُون مثله ... وَمن لم يقل مَا قَالَه فَهُوَ آفك

فَإِن قلت قَالَ الله ضجوا أَو أَكْثرُوا ... وَقَالُوا جَمِيعًا أَنْت قرن مماحك

وَإِن قلت قد قَالَ الرَّسُول فَقَوْلهم ... أَتَت مَالِكًا فِي ترك ذَاك المآلك ...

<<  <   >  >>