للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد شغلوا أنفسهم بالاستكتاب عَن التدبر وَالِاعْتِبَار فألسنتهم تروي الْعلم وَقُلُوبهمْ قد خلت من الْفَهم غَايَة معرفَة أحدهم معرفَة الْكتب الغريبة وَالِاسْم الْغَرِيب والْحَدِيث الْمُنكر وتجده قد جهل مَالا يكَاد يسع أحدا جَهله من علم صلَاته وحجه وزكاته وَطَائِفَة هِيَ فِي الْجَهْل كتلك أَو أَشد لم يعنوا بِحِفْظ سنة وَلَا بِأَصْل من الْقُرْآن وَلَا اعتنوا بِكِتَاب الله عز وَجل فحفظوا تَنْزِيله وَلَا عرفُوا مَا للْعُلَمَاء فِي تَأْوِيله وَلَا وقفُوا على أَحْكَامه وَلَا تفقهوا فِي حَلَاله وَحَرَامه وَقد طرحوا علم السّنَن والْآثَار وزهدوا فِيهَا وأضربوا عَنْهَا فَلم يعرفوا الْإِجْمَاع من الِاخْتِلَاف وَلَا فرقوا بَين التَّنَازُع والائتلاف بل عولوا على حفظ مَا دون لَهُم من الرَّأْي وَالِاسْتِحْسَان الَّذِي كَانَ عِنْد الْعلمَاء آخر الْعلم وَالْبَيَان وَكَانَ الْأَئِمَّة يَبْكُونَ على مَا سلف وَسبق لَهُم فِيهِ ويودون أَن حظهم السَّلامَة مِنْهُ

وَمن حجَّة هَذِه الطَّائِفَة فِيمَا عولوا عَلَيْهِ من ذَلِك أَنهم يقصرون وينزلون عَن مَرَاتِب من لَهُ القَوْل فِي الدّين لجهلهم بأصوله وَأَنَّهُمْ مَعَ الْحَاجة إِلَيْهِم لَا يستغنون عَن أجوبة النَّاس فِي مسائلهم وأحكامهم فَلذَلِك اعتمدوا على مَا قد كفاهم الْجَواب فِيهِ غَيرهم وهم مَعَ ذَلِك لَا ينفكون من وُرُود النَّوَازِل عَلَيْهِم فِيمَا لم يقدمهم فِيهِ إِلَى الْجَواب غَيرهم فهم يقيسون على مَا حفظوا من تِلْكَ الْمسَائِل ويعرضون الْأَحْكَام فِيهَا ويستدلون مِنْهَا ويتركون طَرِيق الِاسْتِدْلَال من حَيْثُ اسْتدلَّ الْأَئِمَّة وعلماء الْأمة فَجعلُوا مَا يحْتَاج أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ دَلِيلا على غَيره وَلَو علمُوا أصُول الدّين وَطَرِيق الْأَحْكَام وحفظوا السّنَن كَانَ ذَلِك قُوَّة لَهُم على مَا ينزل بهم وَلَكنهُمْ جهلوا ذَلِك فعادوه وعادوا صَاحبه فهم يفرطون فِي انتقاص الطَّائِفَة الأولى وتجهيلهم وعيبهم وَتلك تعيب هَذِه بضروب من الْعَيْب وَكلهمْ يجاوزون الْحَد فِي الذَّم وَعند كل وَاحِد من الطَّائِفَتَيْنِ خير كَبِير وَعلم كَبِير أما أُولَئِكَ فكالخزان الصَّيْد لاعبين وَهَؤُلَاء فِي جهل مَعَاني مَا حملوه مثلهم إِلَّا أَنهم كالمعالجين بِأَيْدِيهِم الْعِلَل لَا يقضون على حَقِيقَة الدَّاء المولد لَهَا وَلَا على حَقِيقَة طبيعة الدَّوَاء المعالج بِهِ فَأُولَئِك أقرب إِلَى السَّلامَة فِي العاجل والآجل وَهَؤُلَاء أَكثر فَائِدَة فِي العاجل وأكبر ضَرَرا فِي الآجل وَإِلَى الله تَعَالَى نفزع فِي التَّوْفِيق لما يقرب من رِضَاهُ وَيُوجب السَّلامَة من سخطه فَإِنَّمَا ينَال ذَلِك برحمته وفضله

وَاعْلَم يَا أخي أَن المفرط فِي حفظ المولدات لَا يُؤمن عَلَيْهِ الْجَهْل بِكَثِير من السّنَن إِذا لم يكن تقدم علمه بهَا وَأَن المفرط فِي حفظ طرق الْآثَار دون الْوُقُوف على مَعَانِيهَا وَمَا قَالَ الْفُقَهَاء فِيهَا لصِغَر من الْعلم وكلا مِنْهَا قَانِع بالشم من الْمطعم وَمن الله سُبْحَانَهُ التَّوْفِيق والحرمان

<<  <   >  >>