للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَحْرِيمًا وَأَن الْعَامِل بِالْحَدِيثِ يصب على فَمه الرصاص والنحاس ويخشى عَلَيْهِ سوء الخاتمة وَنَحْو هَذِه الالفاظ ولعمري إِن لم يكن فِي هَذَا ارتداد فَهُوَ قريب مِنْهُ وَمِنْهُم من يَقُول لَو ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث صَحِيح سَالم عَن الْمعَارض لَا يعْمل بهَا إِلَّا إِذا عمل بهَا إِمَامه الَّذِي يَقْتَدِي بِهِ فَتَأمل هَذِه الْعبارَة الشنيعة إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر أَيْضا لَا خلاف بَين أَئِمَّة الْإِنْصَاف فِي فَسَاد التَّقْلِيد فأغنى ذَلِك عَن الْإِكْثَار

وَقَالَ ايضا يُقَال لمن قَالَ بالتقليد لم قلت بِهِ وخالفت السّلف فِي ذَلِك فَإِنَّهُم لم يقلدوا فَإِن قَالَ قلدت لِأَن كتاب الله عز وَجل لَا علم لي بتأويله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أحصها وَالَّذِي قلدته قد علم ذَلِك فقلدت من هُوَ أعلم مني قيل لَهُ أما الْعلمَاء إِذا أَجمعُوا على شَيْء من تَأْوِيل الْكتاب أَو حِكَايَة سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو اجْتمع رَأْيهمْ على شَيْء فَهُوَ الْحق لَا شكّ فِيهِ وَلَكِن قد اخْتلفُوا فِيمَا قلدت فِيهِ بَعضهم دون بعض فَمَا حجتك فِي تَقْلِيد بعض دون بعض وَكلهمْ عَالم وَلَعَلَّ الَّذِي رغبت عَن قَوْله أعلم من الَّذِي ذهبت إِلَى مذْهبه فَإِن قَالَ قلدته لِأَنِّي علمت أَنه صَوَاب قيل لَهُ علمت ذَلِك من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع فَإِن قَالَ نعم فقد أبطل التَّقْلِيد وطولب بِمَا ادَّعَاهُ من الدَّلِيل وَإِن قَالَ قلدته لِأَنَّهُ أعلم مني قيل لَهُ فقلد كل من هُوَ أعلم مِنْك فَإنَّك تَجِد من ذَلِك خلقا كثيرا وَلَا يخص من قلدته إِذْ علتك فِيهِ أَنه أعلم مِنْك فَإِن قَالَ قلدته لِأَنَّهُ أعلم النَّاس قيل لَهُ فَهُوَ إِذا أعلم من الصَّحَابَة وَكفى بقول مثل هَذَا قبحا وَإِن قَالَ إِنَّمَا أقلد بعض الصَّحَابَة قيل لَهُ فَمَا حجتك فِي ترك من لم تقلد مِنْهُم وَلَعَلَّ من تركت قَوْله مِنْهُم أفضل مِمَّن أخذت بقوله على أَن القَوْل لَا يَصح لفضل قَائِله وَإِنَّمَا يَصح بِدلَالَة الدَّلِيل عَلَيْهِ

وَقد ذكر ابْن فرين عَن عِيسَى بن دِينَار عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ لَيْسَ كل مَا قَالَ رجل قولا وَإِن كَانَ لَهُ فضل يتبع عَلَيْهِ لقَوْل الله تَعَالَى {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} فَإِن قَالَ قصري وَقلة همتي وَعلمِي يحملني على التَّقْلِيد قيل لَهُ أما من قلد فِي نازلة مُعينَة تنزل بِهِ من أَحْكَام الشَّرِيعَة عَالما يتَّفق لَهُ على علمه فيصدر فِي ذَلِك علما يخبر بِهِ فمعذور لِأَنَّهُ قد أَتَى مَا عَلَيْهِ وَأدّى مَا لزمَه فِيمَا نزل بِهِ لجهله وَلَا بُد لَهُ من تَقْلِيد عالمه فِيمَا جله لإجتماع الْمُسلمين أَن المكفوف يُقَلّد من يَثِق بِخَبَرِهِ فِي الْقبْلَة لِأَنَّهُ لَا يقدر على أَكثر من ذَلِك وَلَكِن من كَانَت هَذِه حَاله هُوَ يجوز لَهُ الْفَتْوَى فِي شرائع دين الله تَعَالَى فَيحمل غَيره على إِبَاحَة الْفروج وإراقة الدِّمَاء واسترقاق الرّقاب وَإِزَالَة الْأَمْلَاك وتصييرها إِلَى غير من كَانَت فِي يَده بقول لَا يعرف صِحَّته وَلَا قَامَ لَهُ الدَّلِيل عَلَيْهِ وَهُوَ مقرّ أَن قَائِله يُخطئ ويصيب وَإِن خَالفه فِي ذَلِك رُبمَا كَانَ الْمُصِيب فِيمَا خَالفه فِيهِ فَإِن أجَاز الْفَتْوَى لمن جهل الأَصْل وَالْمعْنَى لحفظه الْفُرُوع لزمَه أَن يُجِيزهُ للعامة

<<  <   >  >>