للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ وليتق الله تَعَالَى أمره فِي نَفسه وَلَا يقدم على قَول وَفعل بِغَيْر شَرط انْتهى

قَالَ ابْن شاش فِي الْجَوَاهِر الثمينة فِي مَذْهَب عَالم الْمَدِينَة وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يشْتَرط على القَاضِي الحكم بِخِلَاف اجْتِهَاده أَو بِخِلَاف معتقده إِذا جَوَّزنَا تَوْلِيَة الْمُقَلّد عِنْد الضَّرُورَة قَالَ الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبُو بكر الطرطوشي يجوز لمن اعْتقد مذهبا من الْمذَاهب مثل مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَغَيرهم أَن يولي الْقَضَاء من يعْتَقد خلاف مذْهبه لِأَن الْوَاجِب أَن يجْتَهد رَأْيه فِي قَضَائِهِ لَا يلْزم أحدا من الْمُسلمين أَن يُقَلّد فِي النَّوَازِل وَالْأَحْكَام من يعتزي إِلَى مذْهبه فَمن كَانَ مالكيا لم يلْزمه الْمصير فِي الْأَحْكَام إِلَى قَول مَالك وَهَكَذَا القَوْل فِي سَائِر الْمذَاهب بل أَيْنَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَاده فِي الدَّلِيل من الْأَحْكَام صَار إِلَيْهِ قَالَ فَإِن شَرط على القَاضِي أَن يحكم بِمذهب إِمَام معِين من أَئِمَّة الْمُسلمين وَلَا يحكم بِغَيْرِهِ فَالْعقد صَحِيح وَالشّرط بَاطِل كَانَ مُوَافقا لمَذْهَب الْمُشْتَرط أَو مخالفه قَالَ وَأَخْبرنِي القَاضِي ابو الْوَلِيد الْبَاجِيّ قَالَ كَانَ الْوُلَاة عندنَا بقرطبة إِذا ولوا الْقَضَاء رجلا شرطُوا عَلَيْهِ فِي سجله أَن لَا يخرج عَن قَول ابْن الْقَاسِم وَمَا وجده قَالَ الْأُسْتَاذ هَذَا جهل عَظِيم مِنْهُم انْتهى

قَالَ الْقَرَافِيّ يُرِيد أَن الْحق لَيْسَ محصورا فِي رَأْي شخص معِين وَنَقله الْقَرَافِيّ فِي الذَّخِيرَة وَابْن الْحَاجِب وَأَقَرَّاهُ

قلت تَأمل هَذَا يظْهر لَك أَن التَّقْلِيد بِمذهب إِمَام معِين من غير نظر إِلَى الدَّلِيل من الْكتاب وَالسّنة جهل عَظِيم لِأَنَّهُ مُجَرّد هوى وعصبية وَالْأَئِمَّة المجتهدون قاطبة على خِلَافه لِأَنَّهُ صَحَّ عَن كل وَاحِد مِنْهُم ذمّ التَّقْلِيد بِغَيْر دَلِيل وإبطاله وَظهر أَنه يجوز لمن تقيد بِمذهب معِين أَن يجْتَهد وَينظر إِلَى الدَّلِيل حسب جهده وطاقته فَمَتَى وجد دَلِيلا يدل على خلاف رَأْي إِمَامه تَركه وَتمسك بِالدَّلِيلِ وَيكون بذلك مُتبعا لإمامه وَسَائِر الْأَئِمَّة ومتبعا لكتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص وَلَا يكون بذلك خَارِجا عَن مَذْهَب إِمَامه وَإِنَّمَا يكون خَارِجا عَن مَذْهَب إِمَامه وَعَن سَائِر مَذَاهِب الْمُجْتَهدين إِذا صمم وجمد على تَقْلِيد إِمَامه بعد ظُهُور الدَّلِيل من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع على خلاف رَأْي إِمَامه فَمن صمم فِي هَذِه الْحَالة على التَّقْلِيد فقد خَالف إِمَامه الَّذِي تمسك بمذهبه لِأَنَّهُ لَو بلغه الحَدِيث السَّالِم من الْمعَارض لترك رَأْيه وَاتبع الحَدِيث فالمصمم على التَّقْلِيد فِي هَذِه الْحَالة عَاص لله تَعَالَى وَرَسُوله ص مُتبع لهواه قد برِئ من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَصَارَ من حزب الشَّيْطَان والهوى {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ وأضله الله على علم} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يهديه من بعد الله} فقد انْتَفَى نور الْإِيمَان من قلبه {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} أجارنا الله تَعَالَى من الْعَمى بعد الْهدى

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد البر فِي الْكَافِي وَالَّذِي يجب على القَاضِي أَن يقْضِي بِهِ وَلَا يتعداه مَا فِي

<<  <   >  >>