للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الله عز وَجل فَإِن لم يجد فِيهِ نظر فِيمَا أَتَى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن لم يجد فِيمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر فِيمَا جَاءَ عَن أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم فَإِن كَانُوا قد اخْتلفُوا تخير من أقاويلهم أحْسنهَا وأشبهها بِالْكتاب وَالسّنة وَكَذَلِكَ يفعل بأقاويل الْعلمَاء بعدهمْ وَلَيْسَ لَهُ أَن يخالفهم ويبتدع شَيْئا من رَأْيه فَإِن لم يجد اجْتهد رَأْيه واستخار الله تَعَالَى وأمعن النّظر وَإِن اشكل عَلَيْهِ الْأَمر شاور من يَثِق بفهمه وَدينه من أهل الْعلم ثمَّ نظر إِلَى أحسن أقاويلهم وأشبهها بِالْحَقِّ وَقضى بِهِ وَلَا يبطل من قَضَاء نَفسه إِلَّا مَا يبطل من قَضَاء غَيره قبله وَذَلِكَ مَا خَالف الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع فَإِن لم يكن ذَلِك أَمْضَاهُ وَقضى فِي الْمَسْأَلَة بِمَا يرَاهُ بعد أَن لَا يكون قضى بتقليده بعض الْفُقَهَاء ثمَّ رأى الصَّوَاب فِي غَيره من أقاويل الْعلمَاء فَإِن بَان ذَلِك نقض قَضَاءَهُ بالتقليد وَقضى بِمَا رَآهُ مُجْتَهدا بعده انْتهى

قلت انْظُر كَيفَ صرح بِأَن القَاضِي إِذا حكم بتقليد بعض الْفُقَهَاء ثمَّ رأى الصَّوَاب فِي غير رَأْي من قَلّدهُ أَنه ينْقض حكمه الَّذِي قضى بالتقليد بِخِلَاف مالو اجْتهد القَاضِي فَحكم ثمَّ ظهر لَهُ الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده فَإِنَّهُ لَا ينْقض حكمه الأول مالم يُخَالف نَص كتاب أَو سنة أَو قِيَاس جلي كَمَا تقدم وَظَاهره سَوَاء كَانَ القَاضِي متقيدا بِمذهب أَو لَا كَمَا صرح بِهِ ابْن عبد السلام وَغَيره قَائِلا لَا يُقَال إِن قَوْلكُم بِخِلَاف مالو اجْتهد فَإِنَّهُ يُنَافِي كَونه مُقَيّدا بِمذهب لأَنا نقُول المُرَاد بالمجتهد الْمُجْتَهد فِي الْمَسْأَلَة لَا الْمُجْتَهد الْمُطلق وَلَا شكّ أَن الْمُجْتَهد فِي مَسْأَلَة قد يكون متقيدا بِمذهب انْتهى

وَقَالَ الإِمَام الأعدل القَاضِي أَبُو الْقَاسِم سَلمُون بن عَليّ بن سَلمُون الْكِنَانِي فِي وثائقه وَشرط القَاضِي أَن يكون ذكرا بَالغا حرا عَاقِلا مُسلما عادلا مُجْتَهدا فَإِن لم يُوجد مُجْتَهد فمقلد عِنْده من الْعلم مَا يُمَيّز بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل هَذِه شُرُوط القَاضِي الَّتِي لَا تَنْعَقِد الْولَايَة إِلَّا بهَا وَإِذا كَانَ مُقَلدًا فَقيل يلْزمه الْعَمَل بقول مقلده وَقيل لَا يلْزمه وَقيل لَا يحكم إِلَّا بِاجْتِهَادِهِ قَالَ أَبُو عمر فِي الْكَافِي وَلَا يجوز لَهُ أَن يشاور فِيمَا يحكم بِهِ وَهُوَ جَاهِل لَا يُمَيّز بَين الْحق وَالْبَاطِل لِأَنَّهُ إِذا أُشير عَلَيْهِ وَهُوَ جَاهِل الحكم لم يعلم إِن كَانَ حكم ذَلِك بِحَق أَو بَاطِل وَلَا يجوز لحَاكم أَن يحكم بِمَا لم يعلم أَنه الْحق لقَوْله من اشار بتقليد حَتَّى تبين للَّذي أَشَارَ عَلَيْهِ بِدلَالَة تظهر لَهُ إِلَى أَن قَالَ وَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ فِي الْأَمر شَيْء تَركه وَلَا يحكم بِهِ وَفِي قلبه مِنْهُ شكّ وَإِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء تَركه وَلَا يحكم بالتخمين فَإِنَّهُ فسق وجور انْتهى

قَالَ فِي التَّوْضِيح عِنْد قَول ابْن الْحَاجِب وَقيل لَا يجوز إِلَّا الِاجْتِهَاد أَي وَقيل لَا يجوز لهَذَا الْمُقَلّد إِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى خلاف مذْهبه أَن يحكم إِلَّا بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يُقَال قَوْله إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ يُنَافِي فرض الْمَسْأَلَة إِذْ الْكَلَام فِي عدم الْمُجْتَهد لِأَن المُرَاد عدم الْمُجْتَهد الْمُطلق وَبِقَوْلِهِ إِلَّا بِاجْتِهَادِهِ الِاجْتِهَاد

<<  <   >  >>