الْأَسْنَان وَخرج الصديد والدود من المناخر والفم وانتفخ الْبَطن فعلا على الصَّدْر وَخرج الصلب عَن الدبر لرأيت إِذْ ذَاك مني أعجب مِمَّا رَأَيْت الْآن
وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه من أَقَامَ هَذَا الخيال نصب عَيْنَيْهِ وتفكر فِي الْمَيِّت وَمَا يؤول إِلَيْهِ ثمَّ نظر فِيمَا يقدم بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَعلم أَن جِسْمه الغض وبدنه اللين سيطرح فِي حُفْرَة تقطع أوصاله وَتغَير أَحْوَاله ثمَّ يتَبَيَّن بعد ذَلِك مآله وَيطْلب بِكُل مَا عمله وَقَالَهُ لم يشغل بميت باله وَلم يبك إِلَّا لنَفسِهِ لَا لَهُ
وأنشدوا
لمن جدث أبصرته فشجاني ... وَأرْسل فِي شجو الهموم عناني
سفكت عَلَيْهِ أدمعي فسقيته ... كَمَا هُوَ من كأس الشجون سقاني
وقفت بِهِ حيران وَقْفَة هائم ... أعالج قلبا دَائِم الخفقان
وَمَا بِي من فِي الْقَبْر لَكِن رَأَيْته ... على حَالَة فِيهَا وشيك أَرَانِي
وأنشدوا أَيْضا
لمن الأقبر فِي تِلْكَ الربى ... مَلَأت صَدْرِي شجوا وأسى
لمن الْأَوْجه فِيهَا كسفت ... بعد حسن وجمال وضيا
لمن الْأَجْسَام فِيهَا بليت ... بعد زهو وشباب وانتشا
وَمن الفرسان فِيهَا قد نسوا ... روعة الْحَرْب بروعات الثرى
ورموا إِذْ هتف الْمَوْت بهم ... بسيوف الْهِنْد رعْبًا والقنا
وَمن الخرد فِيهَا شدّ مَا ... فتكت قبل بآساد الشرى
نظر الْمَوْت إِلَيْهَا فغدت ... تنفر الْأَنْفس مِنْهَا إِذْ ترى
لمن الأقبر فِي تِلْكَ الربى ... ألبست جسمي أَثوَاب الضنا
يَا جفونا أرْسلت أدمعها ... مَا بذا بَأْس لَو ارسلت الدما
صَاح يَا صَاح ونيران الجوى ... علقت مني بأثناء الحشا