قَالَ الحبيب وَكَيف لي بجوابكم ... وَأَنا رهين جنادل وتراب
فَعَلَيْكُم مني السَّلَام تقطعت ... مني ومنكم عقدَة الْأَسْبَاب
وَقَالَ أَبُو مُوسَى التَّيْمِيّ توفيت النوار امْرَأَة الفرزدق فَخرج فِي جنازتها وُجُوه أهل الْبَصْرَة وقراؤها وَفِيهِمْ الْحسن بن أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فَقَالَ الْحسن للفرزدق يَا أَبَا فراس مَا أَعدَدْت لهَذَا الْيَوْم
فَقَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سِتِّينَ سنة وَخمْس نَجَائِب لَا يدركن يَعْنِي الصَّلَوَات الْخمس فَلَمَّا دفنت النوار قَامَ الفرزدق على قبرها وَقَالَ
أَخَاف وَرَاء الْقَبْر إِن لم يعافني ... أَشد من الْقَبْر التهابا وأضيقا
إِذا قادني يَوْم الْقِيَامَة قَائِد ... عنيف وسواق يَسُوق الفرزدقا
لقد خَابَ من أَوْلَاد آدم من مَشى ... إِلَى النَّار مغلول القلادة أزرقا
يساق إِلَى نَار الْجَحِيم مسربلا ... سرابيل قطران لبوسا محرقا
إِذا شربوا فِيهَا الْحَمِيم رَأَيْتهمْ ... يذوبون من حر الْجَحِيم تمزقا
وَقَالَ مَالك بن دِينَار أتيت الْقُبُور يَوْمًا فَقلت فِيهَا بَيْتَيْنِ
أتيت الْقُبُور فناديتها ... وَأَيْنَ الْمُعظم والمحتقر
وَأَيْنَ المدل بسلطانه ... واين الْعَزِيز إِذا مَا افتخر
قَالَ فنوديت من بَينهَا أسمع صَوتا وَلَا أرى شخصا وَهُوَ يَقُول
تفانوا جَمِيعًا فَلَا مخبر ... وماتوا جَمِيعًا وَمَات الْخَبَر
وصاروا إِلَى مَالك قاهر ... عَزِيز مُطَاع إِذا مَا أَمر
تروح وتغدو بَنَات الثرى ... وتمحو محَاسِن تِلْكَ الصُّور
فيا سائلي عَن أنَاس مضوا ... أمالك فِيمَا ترى مُعْتَبر
لقد قلد الْقَوْم مَا قدمُوا ... فإمَّا نعيم وَإِمَّا سقر
قَالَ مَالك فَرَجَعت وَأَنا أبْكِي
وَأنْشد بَعضهم
قف بالقبور بأكباد مصدعة ... ودمعة من سَواد الْقلب تنبعث