للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَقَد حل بأرجائك مَا ... ضَاقَ عَنهُ كل مَا فِي ذَا الْوُجُود

أَيهَا الغافل مثلي وَإِلَى ... كم تعامى وتلوى وتحيد

ادن فاقرأ فَوق رَأْسِي أحرفا ... خرجت وَيحك من قلب عميد

صرعته فكرة صَادِقَة ... وهموم كلما تمْضِي تعود

وندامات لأيام مَضَت ... هُوَ مِنْهَا فِي قيام وقعود

وَغدا ترجع مثلي فاتعظ ... بِي وَإِلَّا فَامْضِ واعمل مَا تُرِيدُ

قد نصحناك فَإِن لم تره ... سيراه بصر مِنْك حَدِيد

وَاعْلَم رَحِمك الله أَن الشَّيْء الْمُمكن وجوده لَا يعرف مِقْدَاره على الْحَقِيقَة إِلَّا إِذا عدم وفقد وَطلب فَلم يُوجد كَمَا قَالَ الْقَائِل

مر الشَّبَاب وَلم أقدر أراجعه ... وَلم أحييه إِلَّا بَعْدَمَا انصرفا

والمرء يجهل قدر الشَّيْء يُمكنهُ ... حَتَّى إِذا فَاتَهُ إِمْكَانه عرفا

أَلا ترى رَحِمك الله أَن الصِّحَّة لَا يعرف مقدارها على الْحَقِيقَة إِلَّا المرضى والعافية لَا يعرف مقدارها إِلَّا الْمُبْتَلى فَكَذَلِك الْحَيَاة لَا يعرف مقدارها إِلَّا الْمَوْتَى لأَنهم قد ظَهرت لَهُم الْأُمُور وانكشفت لَهُم الْحَقَائِق وتبدت لَهُم الْمنَازل وَعَلمُوا مِقْدَار الْأَعْمَال الصَّالِحَة إِذْ لَيْسَ ينْفق هُنَاكَ إِلَّا عمل صَالح زكي وَلَا يرْتَفع هُنَاكَ إِلَّا عبد تَقِيّ وَكلما ازْدَادَ هُنَا عملا صَالحا كَانَ هُنَاكَ أرفع دَرَجَة واشرف رُتْبَة وَأكْثر وجاهة وَكلما ازْدَادَ فِي الدُّنْيَا فَضِيلَة كَانَ أقرب إِلَى الله وَسِيلَة

فَلَمَّا استبان لَهُم ذَلِك وَعَلمُوا مِقْدَار مَا ضيعوا وَقِيمَة مَا فِيهِ فرطوا ندموا وأسفوا وودوا لَو أَنهم إِلَى الدُّنْيَا رجعُوا وَإِلَى حالتهم الاولى ردوا وكل على حَاله فَالَّذِي عمل صَالحا يود أَن لَو رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا فازداد من عمله الصَّالح وَأكْثر من متجره الرابح

والمقصر يود لَو رد فاستدرك مَا فَاتَ وَنظر فِيمَا فرط فِيهِ

فالمفرط المهمل بِالْجُمْلَةِ يكون تمنيه الرُّجُوع أَكثر وحرصه على الْإِقَالَة أَشد كل يتَكَلَّم عَن حَاله ويخبر عَمَّا هُوَ فِيهِ حَتَّى قَالَ الشَّهِيد الَّذِي قتل فِي

<<  <   >  >>