أهل الْقُبُور إِنَّمَا يندمون على مَا يتركون ويفرحون بِمَا يقدمُونَ فَمَا عَلَيْهِ أهل الْقُبُور يندمون أهل الدُّنْيَا عَلَيْهِ يقتتلون وَفِيه يتنافسون وَعَلِيهِ يتزاحمون
وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي تَوْبَة رَحمَه الله أَقَامَ مَعْرُوف الْكَرْخِي رَحمَه الله الصَّلَاة ثمَّ قَالَ لي تقدم فَقلت إِن صليت لكم هَذِه الصَّلَاة لم أصل لكم غَيرهَا فَقَالَ لي أَرَاك تحدث نَفسك أَنَّك تعيش حَتَّى تصلي صَلَاة أُخْرَى أعوذ بِاللَّه من طول الأمل فَإِنَّهُ يمْنَع من خير الْعَمَل
وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ويل لمن كَانَت الدُّنْيَا أمله والخطايا عمله عَظِيم بطنته قَلِيل فطنته عَالم بِأَمْر دُنْيَاهُ جَاهِل بِأَمْر آخرته
وَقَالَ الْعَلَاء بن زِيَاد رَحمَه الله تَعَالَى لينزل أحدكُم نَفسه أَنه قد حَضَره الْمَوْت وَأَنه استقال ربه فأقاله فليعمل بِطَاعَة الله
وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء عجبت مِمَّن يحزن على نُقْصَان مَاله وَلَا يحزن على نُقْصَان عمره وَعَجِبت مِمَّن الدُّنْيَا مُدبرَة عَنهُ وَالْآخِرَة مقبلة عَلَيْهِ كَيفَ يشْتَغل بالمدبرة ويعرض عَن الْمُقبلَة
فرحم الله امْرأ أضمر نَفسه للسباق وساقها إِلَى الْغَايَة أَشد مساق واستعد للْمَوْت قبل هجومه واخذ حذره مِنْهُ قبل قدومه وانفد دُمُوعه على مَا تقدم قبل أَن تزل بِهِ الْقدَم وَيُؤْخَذ بِمَا علم وَبِمَا لم يعلم
وَأنْشد بَعضهم من كلمة لَهُ
لمن وَرْقَاء بالوادي المريع ... تشب بِهِ تباريح الضلوع