صاحب الصحيح، أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين، رحل إلى الحجاز والعراق والشأم ومصر، وسمع (يحيى بن يحيى النيسابوري) و (أحمد بن حنبل) و (إسحاق بن راهويه) و (عبد الله بن مسلمة القعنبي) وغيرهم، وقدم بغداد غير مرة، فروى عنه أهلها، وآخر قدومه إليها في سنة (٢٥٩) تسع وخمسين ومائتين، وروى عنه الترمذي، وكان من التقات. وقال محمد الماسرجسي: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث، وقال الخطيب البغدادي: كان مسلم يناضل عن البخاري، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه، وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ: لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم من الاختلاف إليه، فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، ونادى عليه، ومنع الناس من الاختلاف إليه، حتى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة، قطعه أكثر الناس غير مسلم، فإنه لم يتخلف عن زيارته، فأنهي إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديمًا وحديثًا، وأنه عوتب على ذلك بالحجاز والعراق ولم يرجع عنه، فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس وخرج من مجلسه، وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عنه وعن زيارته. وتوفي مسلم عشية يوم الأحد، ودفن بنصر آباد ظاهر نيسابور يوم الاثنين لخمس، وقيل: لست، بقين من شهر رجب الفرد سنة (٢٦١) إحدى وستين ومائتين بنيسابور، وعمره (٥٥) خمس وخمسون سنة. هكذا وجدته في بعض الكتب، ولم أر أحداً من الحفاظ ضبط مولده ولا تقدير عمره، وأجمعوا على أنه ولد بعد المائتين، وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان المعروف بابن الصلاح يذكر مولده، وغالب ظني أنه قال: سنة (٢٠٢) اثنتين ومائتين، ثم كشفت ما قاله ابن الصلاح فإذا هو سنة (٢٠٦) ست ومائتين، نقل ذلك من كتاب "علماء الأمصار" تصنيف الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري الحافظ، ووقفت على الكتاب الذي نقل منه، وملكت النسخة التي نقل منها أيضًا، وكانت ملكه، وبيعت في تركته، ووصلت إلي وملكتها، وصورة ما قاله بأن مسلم بن الحجاج توفي بنيسابور لخمس بقين من شهر رجب الفرد سنة (٢٦١) إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين (٥٥) سنة، فتكون ولادته في سنة (٢٠٦) ست ومائتين، رحمه الله تعالى، والله أعلم. وأما محمد بن يحيى المذكور فهو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري، وكان أحد الحفاظ الأعيان، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه القزويني، وكان ثقة مأمونًا، وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري أنه لما دخل البخاري مدينة نيسابور شعث عليه محمد