للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيهدي الصواب إلى كل سمع كأنما نسج على منوال وغذي من لطف المعاني بلبان، وتصرف كما شاء في البيان، ولولا تقدم زمانه على زماني، لأطلقت في نعته لساني، وثنيت في ميدان أوصافه عناني، وذكرت من بدائع مقاصده ما هو علق بالقلوب من نغمات الأغاني، ولكن غرضي مقصور على ذكر أهل عصري وأبناء دهري، إلاّ ما لم أجد لهم فيه مقالاً، ولا نسجوا على منواله مثالاً، لأن المعاصر ما تنوّق تنوق المتقدم، ولهذا قال عنترة:

هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمِ

وإن ذكرت من هؤلاء الجماعة أحداً فلموضع شرف قدرهم، ولئلا أخل بذكرهم، كيف ولم نعترف إلاّ من بحرهم، ولا شنّفنا أسماعنا إلاّ بدُرهم، ولا ارتوينا إلاّ من درهم.

مدح الإمام الناصر، ومحاسن شعره فيه له من قصيدة:

سقاكِ سارٍ من الوسميِّ هنانُ ... ولا رقتْ للغوادي فيكِ أجفانُ

يا دارَ لهوي وأطرابي وملعب أت ... رابي وللهوِ والأوطارِ أوطانُ

أعائدٌ ليَ ماضٍ من جديدِ هوًى ... أبليتهُ وشبابٌ فيكِ فينانُ

إذِ الرقيبُ لنا عينٌ مساعدةٌ ... والكاشحونَ لنا في الحبِّ أعوانُ

ولي إلى البانِ من رملِ الحمى طربٌ ... فاليومَ لا الرملُ يصيبني ولا البانُ

السيد الشريف الرضي الموسوي:

دعاني أفز باللهو والرأس مظلم ... فما أبعد الأطرابُ والرأسُ مقمرُ

رأيت شباب المرء ليلاً يجنهُ ... يغطي على بادي العيوبِ ويسترُ

وشيبُ الفتى صبحٌ يبينُ عوارَه ... ويرمقُ فيه بالعيونِ فينظرُ

وإنَّ ضلالي في النهارِ لهجنةٌ ... وإنَّ ضلالي في دجى الليلِ أعذرُ

أنشدني بعض الأصحاب في ذم الشباب واتفق أني ودعت شرف الدولة عبيد الله بن الدوامي، وكان يلقب بالشباب، فأنشدته إياها في سنة خمس وخمسين وستمائة:

والآن فارقتُ الشبابَ وقلتُ ل ... لعيشِ الذي فارقتُ غير مودعِ

ودعا المشيبُ إلى النهى فأجبتهُ ... بضميرِ مختارٌ وقلبٌ طيعِ

ورمى العذارَ بنافذٍ من أسهمٍ ... للصبحِ في ليلِ الشبيبةِ تدعي

وقلت:

ولائم في الهوى أضحى يفندني ... بلومهِ وعذول لجّ في عذلِ

قالا تسلّ فأيام الصبا سفهٌ ... وذكرها قلت قد أكثرتما جدلي

وقلت:

لا تسمني صبراً فقد حرم ال ... صبر عيونٌ ترمي بسحرٍ حلال

واستعر لي دمع السحاب فقد أف ... نيت دمعي على الرسوم الخوالي

وأعد لي ذكر العقيقِ وأيا ... م تقضت لنا به وليالي

فطلابي رجوع ما فات من عص ... رِ الصبا والشباب عين الضلال

وسؤالي رسماً محيلاً ونؤياً ... عاطلاً من تعللات المحال

فالهُ عني يا عاذلي فغرامي ... حاكم باستهانة العذالِ

آخر:

وكانَ الشبابُ الغضُّ لي فيه راحةٌ ... فوقرني فيه المشيبُ وأدبا

فسقياً ورعياً للشباب الذي مضى ... وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحباً

محمد بن حازم:

لا حينَ صبرٍ فخلِّ الدمعَ ينهملُ ... فقدُ الشبابِ بيومِ المرءِ متصلُ

لا تكذبنَّ فما الدنيا بأجمعها ... من الشبابِ بيومٍ واحدٍ بدلُ

كفاكَ بالشيبِ ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشبابِ شفيعاً أيها الرجلُ

عبد الله بن حسن بن حسن:

لو أنَّ أسرابَ الدموعِ ثنت ... شرخَ الشبابِ على امرئ قبلي

لبكيته دهري بأربعة ... فسفحتها سجلاً على سجلِ

السيد الرضي الموسوي:

فمالي أذمُّ الغادرينَ وإنما ... شبابيَ أوفى غادرٍ بي وما ذقِ

تعيرني شيبي كأني ابتدعتُهُ ... ومَنْ لي أنْ يبقى بياضُ المفارقِ

منصور النمري:

لا حسرةٌ تنقضي مني ولا جزعُ ... إذا ذكرتُ شباباً ليس يرتجعُ

ما كنتُ أُوفي شبابي كنهَ غرتهِ ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبعُ

وقد ذكرت ما يتعلق بالشباب حسبما يقتضيه هذا المختصر. ومن هذا الباب ما قيل في الخضاب فإنه شباب مستعار.

قال الشيخ أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، وقيل: إنه لم يعمل غيرها:

خضبتُ الشيبَ لما كانَ عيباً ... وخضبُ الشيبِ أولى أن يُعابا

ولم أخضبْ مخافةَ هجرِ خلٍّ ... ولا عنتاً خشيت ولا عتابا

<<  <   >  >>