ولكن المشيب بدا ذميماً ... فصيّرتُ الخِضابَ له عقابا
أنشدني بعض الأصحاب:
وهي التي قالت لجارة بيتها ... قولاً دموعي كنَّ رجعَ جوابهِ
ما كان ينفعه لديّ شبابهُ ... فعلامَ يُتعبُ نفسهُ بخضابهِ
آخر:
وحقك ما خضبتُ مشيبَ رأسي ... رجاءً أنْ يدومَ لي الشبابُ
ولكنّي خشيت يراد مني ... عقول ذوي المشيب فلا يصابُ
أنشدني كمال الدين محمد بن البوازيجي:
إنّ الخضابَ لحيلةٌ ... في ردِّ أيامِ الشبابِ
ويغضّ من طرف العدو ... ويستبي قلبَ الكَعابِ
أنشدني آخر:
وقائلة لما رأت شيب لمتي ... استرهُ عن وجهها بخضابِ
أتسترُ عنّي وجهَ حقٍّ بباطلٍ ... وتوهمني ماءً بلمعِ سرابِ
فقلت لها كفّي ملامك إنها ... ملابس أحزاني لفقد شبابي
ابن الرومي:
وقالوا اختضبْ قبلَ المشيبِ فقد بدتْ ... لأسهُمِهِ في عارضيْكَ نُصولُ
فقلتُ خضابُ الأصل لم يبق لونه ... فكيفَ خضابٌ يعتريه نصولُ
وله:
إذا خضب الشيخ المشيب فإنه ... حدادٌ على شرخ الشبيبةِ يلبسُ
وإلا فما يبغي امرؤٌ بخضابهِ ... أيطمعُ أنْ يخفَى شبابٌ مُدلّسُ
وكيفَ بأنّ يخفى المشيبُ بخاضب ... وكلُّ ثلاثٍ صُبحهُ يتنفسُ
وهبه يواري شيبهُ أينَ ماؤهُ ... وأينَ أديمٌ للشبيبةِ أملسُ
وقال:
إذا شَنئتْ عينُ امرئ شيبَ نفسهِ ... فعينُ سواه بالشناءةِ أجدرُ
ألا أيهذا الشيبُ سمعاً وطاعةً ... فأنت لَعمريَ ما حييتُ المظفّرُ
إذا كنت تمحو صبغةَ الله قادراً ... فأنتَ على ما يصبغُ الناسُ أقدرُ
وقال محمود الوراق:
يا خاضب الشيب الذي ... في كلِّ ثالثةٍ يعودُ
إن النصول إذا بدا ... فكأنّهُ شيبٌ جديدُ
ولابن المعتز في نقض هذا:
وقالوا المشيبُ مشيبٌ جديدُ ... فقلتُ الخضابُ شبابٌ جديدُ
إساءة هذا بإحسانِ ذا ... فإنْ عادَ هذا فهذا يعودُ
وحكي أن بعض ملوك حمير خرج متصيداً فرأى شيخاً منفرداً فوقف عليه وإذا به يخضب، فقال: يا شيخ هبك تخضب البياض فكيف تخضب الكبر، وأنشده:
إذا دام للمرء السواد وأخلقتْ ... محاسنه ظنَّ السوادَ خضابا
فكيف يظنُّ الشيخُ أنَّ خضابهُ ... يُظنُّ سواداً أو يخالُ شبابا
أقول: لو أُعطيَ الشيخ نصيباً من البيان وكانت له قريحة في هذا الشأن لأمكنه أن يجيب الملك مناقضاً وينشده معارضاً:
وحقك لم أخضب رجاءَ شيبةٍ ... تعاد ولا وصل أخافُ ذهابهُ
ولكن بدا شيبي ذميماً ورائداً ... لموتي فصيرتُ الخضاب عقابهُ
البيت الأول مأخوذ من قول القائل:
وحقك ما خضبت مشيب رأسي ... رجاء أن يدوم لي الشبابُ
ويزيد عليه:
ولا وصل أخاف ذهابه
والثاني من قول أبي علي الفارسي:
ولكنَّ المشيبَ بدا ذميماً ... فصيرتُ الخضاب له عقابا
ويزيد عليه:
ورائداً لموتي
أنشد كمال الدين بن محمد لنفسه:
لما رأيت الشيب نازل لمتي ... أعددتُ عندي للقاء خضابا
وعلمتُ أنَّ الشيبَ موتٌ قادمٌ ... فجعلته دونَ المشيبِ حجابا
علي بن هلال الصابي الكاتب:
خضب الشيبَ إذْ بدا أترابي ... وتوخوا فيه خلافَ الصوابِ
ولو أنِّي خضبتُ ضاعتْ بقايا ... من شبابي صحيحة في خضابي
ومضتْ هيبةُ المشيبِ ولم ير ... جعْ إلى الوجنتين ماءُ الشبابِ
فيضيع الشبابُ مني والشي ... ب جميعاً إذا حسبتُ حساب
أبو نواس:
تمتع من شباب ليس يبقى ... وصل بعرى الغبوق عرى الصبوحِ
[وصف في الغزل والنسيب]
قال امرؤ القيس في طيب الثغر:
كأنَّ المدامَ وصوبَ الغمامِ ... وريحَ الخزامى ونشرَ القطرْ
القطُر والقطْر عود البخور.
يعلّ به بردُ أنيابِها ... إذا غردَ الطائر المستحرْ
العلّ والنهل نوعان من الشرب، وصفها بطيب الريق طعماً ورائحة عندما يغرد الطائر في السحر وذلك وقت تغيير الأفواه.
ومثله:
يا أطيبُ الناسِ ريقاً عندَ هجعتِها ... وأحسن الناس عيناً حينَ تنتقبُ
ابن الرومي: