أما الأمر الرابع: فهو قوله: {وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ، وذلك لأن أقسام تدبير الله تعالى في العالم العلوي وفي العالم السفلي، وفي عالم الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها، فلما ذكر تعالى بعض تلك التفاصيل، لا جرم عقبها بالكلام الكلي، ليدل على الباقي١.
فهذه الآيات الكريمة تبين لنا أنّ استجواب المشركين عن هذه الأمور الأربعة، يهدف إلى إلزامهم بما يعترفون به حقيقة، وبما فطرت عليه نفوسهم من الإيمان بما تحس وما يحصل عندها من بداهة إلى حد الضرورة، ولهذا عندما سُئل المشركون هذا السؤال لم يكن بد من الاعتراف بما يعتقدونه من وجود الله تعالى، وتدبيره لشئون خلقه ووحدانيته، إذ لا مجال للعناد والمكابرة في شيء من ذلك لغاية وضوحه.
ومما يؤيد اعترافهم وإقرارهم بربهم الأعلى الذي يلجأون إليه في الرغبة والرهبة، ما رواه الترمذي عن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحصين: "كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: من لرهبتك ورغبتك، قال: الذي في السماء، قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين، فأسلم، وعلمه النبي