فصرخ عدو الله وقال: والله ما هذا لكم برأي، فليوشكن أن يثب أصحابه عليه، حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم.
فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم حتى تستريحوا منه، فإنه إذا خرج فلن يضركم ما صنع وأين وقع، فقال الشيخ المذكور: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذه القلوب بحديثه؟ والله لئن فعلتم لتجتمعن عليكم العرب حتى يخرجوكم من بلادكم، ويقتلوا أشرافكم، قالوا صدق، فانظر رأياً غير هذا.
فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره، قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلاماً شاباً جلداً، ونعطي كل واحد سيفاً صارماً يضربونه ضربة رجل واحد، ويتفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها، فيقبلون الدية، ونستريح منه، ونقطع عنا أذاه، فصرخ عدو الله إبليس: هذا والله الرأي لا أرى غيره، فتفرقوا على ذلك، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأذن له بالهجرة، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ... } الآية"١.
١ سيرة ابن هشام ١/٤٨٠-٤٨٢، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ص: ١٠٩، وتفسير الطبري ٩/٢٢٧، ومجمع الزوائد للهيثمي ٧/٢٧، والدر المنثور للسيوطي ٣/١٧٩.