للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن رأى أن العموم إذا تأخر عن الخصوص، فهو ناسخ له، قال لا تقبل الجزية من مشرك، عدا أهل الكتاب، لأنّ الآية الآمرة بقتالهم على العموم هي متأخرة عن ذلك الحديث، وذلك أن الأمر بقتال المشركين عامة هو في سورة (براءة) ، وذلك عام الفتح، وذلك الحديث إنما هو قبل الفتح، بدليل دعائهم فيه إلى الهجرة.

ومن رأى أنّ العموم يبنى على الخصوص، تقدم أو تأخر أو جهل التقدم والتأخر بينهما، قال: تقبل الجزية من جميع المشركين.

وأما تخصيص أهل الكتاب من سائر المشركين، فخرج من ذلك العموم باتفاق، لقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ١.

قال ابن القيم رحمه الله: "إنما لم يأخذها عليه الصلاة والسلام من مشركي العرب، لأنها إنّما نزل فرضها بعد أن أسلمت دارة العرب، ولم يبق فيها مشرك، فإنّها نزلت بعد فتح مكة، ودخول العرب في دين الله أفواجاً، فلم يبق بأرض العرب مشرك، ولهذا غزا بعد الفتح تبوك، وكانوا نصارى، ولو كان بأرض العرب مشركين لكانوا يلونه، وكانوا أولى


١ بداية المجتهد ١/٣٨٩.
والآية: ٢٩، من سورة التوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>