٥- ومسلك القرآن الكريم في دعوة المشركين وغيرهم لم يكن جدلاً عقيماً، أو تفلسفاً مذموماً، أو قولاً يستعصى على العقول فهمه، ولكنه جاء سهلاً واضحاً يفهمه البدوي في مضارب البادية، كما يفهمه أهل الحضارة والثقافة في أرجاء الأرض، ويتذوقه من عاصر الوحي، وشهد تنزلاته.
٦- والقرآن الكريم يعتبر قضية وجود الله تعالى أمراً فطرياً في النفوس البشرية السليمة، لا يحتاج إلى جدال أو نقاش، وكل إنسان عاقل يدرك بنفسه هذه الحقيقة.
لكن الإنسان في هذه الدنيا تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف، ومن أسباب انحرافه تقليد الأبناء لضلال الآباء، وما قد يلقيه الكتاب المنحرفون في أفكار الناشئة، بما يبدل هذه الفطرة ويكدرها، ويلقي عليها غشاوة، فلا تتجه إلى الحقيقة.
ومن طلب الدلائل التي تحرك الفطرة، وتشير إلى وجود الله ووحدانيته وجدها أكثر من أن تحصى، فهي تنبعث من خلق الإنسان نفسه، ونفسه أقرب شيء إليه، ويجدها في السماء والأرض والشمس وفي القمر وفي تعاقب الليل والنهار، وسير النجوم، وهبوب الرياح، وتسخير السحاب، وهطول الأمطار، وفي عالم الحيوان وعالم النبات.
فمن تأمل ذلك أدرك بعقله وبصيرته أن هذا الخلق، وهذا النظام، وهذا الإبداع لا يمكن أن يحدث من غير محدث، أو يوجد من غير موجد،