ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق, فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضا, وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك, وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد, لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق, ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل, وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة, من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل:"كلام الله" ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت, ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا, لأي شيء لا يتكلمون؟! ١ سمعه أبو داود منه كما في "مسائله""ص٢٦٣-٢٦٤ ".
قلت: والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى, أقر لفظة "بائن" لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم, وأنكر اللفظة الأخرى وهي "بذاته" لعدم تواردها في أقوالهم. إلا بعض المتأخرين منهم, فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف, مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد, فكنت أحب له رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم, ومعناه ليس له شاهد في السنة, ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة, وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر, ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار, وإنما تارة وتارة, والله تعالى يغفر لنا وله.
ومن العجيب حقا أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به, ثم قال ابن القيم رحمه الله:
١ قلت: ولو أن الشيخ المقبلي تنبه لهذا لما قعقع على الإمام أحمد بما قعقع به.