ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين إلخ. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها. كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة, فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجبل على كتاب الله وحده.. في فترة تكونه ... وإنما كان ذلك عن تصميم مرسوم ونهج مقصود. يدل على هذا القصد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة, وقوله: "إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" ١.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد صنع جيل خالص القلب. خالص العقل. خالص التصور. خالص الشعور. خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي, الذي يتضمنه القرآن الكريم.
ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده, فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد, ثم ما الذي حدث؟
اختلطت الينابيع! صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم, وأساطير الفرس وتصوراتهم, وإسرائيليات اليهود, ولاهوت النصارى, وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات, واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم, وعلم الكلام, كما اختلط بالفقه والأصول أيضا. وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل, فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا".
ثم ذكر -رحمه الله- عاملين آخرين ثم قال "ص١٧":
"نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية ... تصورات الناس وعقائدهم, عاداتهم وتقاليدهم, موارد
١ قلت؛ هو حديث حسن أخرجه الدارمي, وأحمد وغيرهما وقد خرجته في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" "١٥٨٩ "