فأوجبوا استرقاقهم ومنعوا أن يعقد لهم الذمة ثانيا كأنه جعل خروجهم من الذمة مثل ردة المرتد يمنع إقراره بالجزية لكن هؤلاء لا يسترقون لكون كفرهم أصليا.
وقال أصحاب أبي حنيفة: من نقض العهد فإنه يصير كالمرتد إلا أنه يجوز استرقاقه والمرتد لا يجوز استرقاقه.
فأما إن لم يقدر عليهم حتى بذلوا الجزية وطلبوا العود إلى الذمة فإنه يحوز عقدها لهم لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدوا الذمة لأهل الكتاب من أهل الشام مرة ثانية وثالثة بعد أن نقضوا العهد والقصة في ذلك مشهورة في فتوح الشام وما أحسب في هذا خلافا فإن مالكا وأصحابه قالوا: إذا منعوا الجزية وقاتلوا المسلمين والإمام عدل فإنهم يقاتلون حتى يردوا إليه مع أن المشهور عندهم أن الأسير منهم لا يرد إلى الذمة بل يكون فيئا فإذا كان مالك لا يخالف في هذه المسألة فغيره أولى أن لا يخالف فيها لأنه هو الذي اشتهر عنه القول بمنع عود الأسير منهم إلى الذمة.
فإن بذل هؤلاء العود إلى الذمة فهل يجب قبول ذلك منهم كما يجب قبوله من الحربي الأصلي؟ إن قلنا إنه يجب رد الأسير منهم إلى ذمته فهؤلاء أولى وإن قلنا لا يجب هناك فيتوجه أن لا يجب هنا أيضا لأن بني قينقاع لما نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم أراد قتلهم حتى ألح عليه عبد الله بن أبي في الشفاعة فيهم فأجلاهم إلى أذرعات ولم يقرهم بالمدينة مع أن القوم كانوا حراصا على المقام بالمدينة بعهد يجددونه وكذلك بنو قريظة لما حاربت أرادوا الصلح والعود إلى الذمة فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكذلك بنو النضير لما نقضوا العهد فحاصرهم أنزلهم على الجلاء من المدينة مع أنهم كانوا أحرص شيء على المقام بدارهم بأن يعودوا إلى الذمة وهؤلاء الطوائف كانوا أهل ذمة عاهدوا النبي صلى الله عليه