للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وسلم أن الدار دار الإسلام يجري فيها حكم الله تعالى ورسوله وأنه مهما كان بين أهل العهد من المسلمين ومن هؤلاء المعاهدين من حدث فأمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في كتاب الصلح فإذا كانوا نقضوا العهد فبعضا قتل وبعضا أجلى ولم يقبل منهم ذمة ثانية مع حرصهم على بذلها علم أن ذلك لا يجب ولا يجوز أن يكون ذلك لكون أرض الحجاز لا يقر فيها أهل دينين ولا يمكن الكفار من المقام بها لأن هذا الحكم لم يكن شرع بعد بل قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي بالمدينة وبالمدينة غيره من اليهود وبخيبر خلائق منهم وهي من الحجاز ولكن عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وأن لا يبقى بها دينان فأنفذ عهده في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

والفرق بين هؤلاء وبين المرتدين أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام فقد أتى بالغاية التي يقاتل الناس حتى يصلوا إليها فلا يطلب منه غير ذلك وإن ظننا أن باطنه خلاف ظاهره فإنا لم نؤمر أن نشق عن قلوب الناس وأما هؤلاء فإن الكف عنهم إنما كان لأجل العهد ومن خفنا منه الخيانة جاز لنا أن ننبذ إليه العهد وإن لم يجز نبذ العهد إلى من خفنا منه الردة فإذا نقضوا العهد فقد يكون ذلك أمارة على عدم الوفاء وإن إجابتهم إلى العهد إنما فعلوه خوفا وتقية ومتى قدروا غدروا فيكون هذا الخوف مجوزا لترك معاهدتهم على أخذ الجزية كما كان يجوز نبذ العهد إلى أهل الهدنة بطريق الأولى.

وفي هذا دليل على أنه لا يجب رد الأسير الناقض للعهد إلى الذمة بطريق الأولى فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يردهم إلى الذمة وقد طلبوها ممتنعين فإن لا يردهم إليها إذا طلبوها موثقين أولى وقد أسر بني قريظة بعد نقض العهد فقتل مقاتلتهم ولم يردهم إلى العهد ولأن الله تعالى قال: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا

<<  <   >  >>